logo alelm
أضغاث أحلام “إسرائيل الكبرى”.. محطات تاريخية لأوهام الاحتلال

منذ إعلان تيودور هرتزل لمشروعه التوسعي في مطلع القرن العشرين وحتى التصريحات الرسمية الإسرائيلية المعاصرة، تمثل فكرة “إسرائيل الكبرى” خيطاً ثابتاً يربط بين مراحل التفكير الصهيوني المختلفة.

هذا المفهوم، الذي بدأ كحلم أيديولوجي، تطور عبر أكثر من قرن ليصبح جزءاً من الخطاب السياسي الرسمي الإسرائيلي، مما يثير تساؤلات جوهرية حول طبيعة المشروع الصهيوني وأهدافه الحقيقية في المنطقة.

هرتزل وأحلام النيل إلى الفرات

يعود تاريخ هذا المفهوم إلى عام 1904، عندما أعلن تيودور هرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية الحديثة، عن رؤيته التوسعية التي زعم فيها أن حدود إسرائيل المستقبلية يجب أن تمتد “من النيل إلى الفرات”.

لم يكن هذا التصور مجرد خيال سياسي، بل استند إلى تفسيرات مزعومة لنصوص توراتية، محاولاً إضفاء شرعية دينية على مطامع جيوسياسية واضحة.

شكّل إعلان هرتزل نقطة تحول في الفكر الصهيوني، حيث تجاوز فكرة البحث عن “وطن قومي” إلى رسم معالم إمبراطورية إقليمية تشمل أجزاء واسعة من الشرق الأوسط.

أسس هذا التوجه لما سيصبح لاحقاً عقيدة راسخة في الأدبيات الصهيونية، تنظر إلى المنطقة العربية كمجال حيوي للتوسع الإسرائيلي.

من فلسطين والأردن إلى “إتسل”

خلال الفترة من 1922 إلى 1948، تطورت المطالبات الصهيونية لتشمل كلاً من فلسطين والأردن كدولة موحدة لليهود تحمل اسم “إتسل”.

يعكس هذا التطور النضج التدريجي للفكر الصهيوني، الذي لم يعد يكتفي بالمطالبة بفلسطين فحسب، بل امتد ليشمل الضفة الشرقية لنهر الأردن كجزء من “الأرض الموعودة”.

شهدت المرحلة تحولاً مهماً في الاستراتيجية الصهيونية، حيث بدأت الحركة في ترجمة أحلامها التوسعية إلى خطط عملية ومطالبات سياسية ملموسة.

المفهوم الجديد لـ”إتسل” كان رؤية شاملة لدولة يهودية تسيطر على كامل المنطقة الواقعة بين البحر المتوسط ونهر الأردن، بما يشمل ما يُعرف اليوم بفلسطين التاريخية والأردن.

حرب 1967 ومولد المصطلح الحديث

شكّلت حرب يونيو 1967 نقطة تحول حاسمة في تطور مفهوم “إسرائيل الكبرى“، حيث بدأ استخدام هذا المصطلح رسمياً للإشارة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة والأراضي العربية التي استولت عليها إسرائيل خلال الحرب.

هذا التطور لم يكن صدفة، بل نتاج طبيعي للتفكير الصهيوني الذي وجد في النصر العسكري فرصة ذهبية لتحقيق أحلامه التوسعية.

الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء والجولان أعطى بُعداً عملياً لمفهوم “إسرائيل الكبرى”، محولاً إياه من مجرد شعار أيديولوجي إلى واقع جغرافي ملموس.

وشجع هذا التغيير في الوضع الميداني التيارات الصهيونية المتطرفة على المطالبة بضم هذه الأراضي نهائياً، مما أدى إلى بروز حركات استيطانية واسعة تهدف لتهويد الأراضي المحتلة.

خطة “ينون” وإعادة رسم الخريطة

في عام 1982، كُشف النقاب عن خطة “ينون”، التي تُعتبر واحدة من أهم الوثائق في تاريخ الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي، والتي حملت اسم الدبلوماسي الإسرائيلي عوديد ينون، وقدمت رؤية شاملة لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بما يخدم المصالح الإسرائيلية، من خلال إضعاف دول المنطقة وتقسيمها، وضم الضفة الغربية وقطاع غزة نهائياً.

الخطة دعت صراحة إلى استغلال التناقضات الطائفية والعرقية في الدول العربية لتقسيمها إلى كيانات أصغر وأضعف، مما يضمن التفوق الإسرائيلي المطلق في المنطقة.

أثّر هذا المفهوم الاستراتيجي بشكل واضح على السياسة الإسرائيلية في العقود اللاحقة، وانعكس في مواقفها من الأزمات العربية المختلفة.

من التصريحات إلى السياسات الرسمية

في العقد الأخير، شهدت فكرة “إسرائيل الكبرى” تطوراً نوعياً، حيث انتقلت من دوائر التفكير الأيديولوجي إلى قلب السياسة الرسمية الإسرائيلية.

في عام 2016، صرح وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بأن حدود إسرائيل يجب أن تمتد لتشمل أجزاء من الشرق الأوسط، مما يعكس تغلغل هذا الفكر في المؤسسة الحكومية الإسرائيلية.

التطور الأكثر إثارة للجدل جاء في عام 2023، عندما وقف سموتريتش أمام منصة في باريس عليها خريطة “إسرائيل الكبرى” المزعومة، في مشهد رمزي يجسد التحول الجذري في الخطاب الإسرائيلي الرسمي.

شهد عام 2025 تطورين مهمين في تطور هذا المفهوم. أولاً، نشرت وزارة الخارجية الإسرائيلية خريطة مزعومة تضم أجزاء من أراضٍ عربية في المنطقة، مما يعني أن هذه الرؤية أصبحت جزءاً من الخطاب الدبلوماسي الرسمي.

وثانياً، أكد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تمسكه برؤية “إسرائيل الكبرى”، معتبراً أنه في “مهمة تاريخية وروحية”.

تصريحات نتنياهو تحمل أهمية خاصة لكونها تأتي من أعلى مستوى في الهرم السياسي الإسرائيلي، مما يعني أن فكرة “إسرائيل الكبرى” لم تعد مجرد شعار أيديولوجي أو موقف حزبي، بل استراتيجية دولة رسمية.

شارك هذا المنشور:

المقالة السابقة

كيف تعمل الأشجار على تبريد الكوكب وما المكان المثالي لنموها؟