لعقود طويلة، كانت هناك جهود لتقليل عدد الرؤوس الحربية النووية، لكن يبدو أن الدفّة تحولت مع الاضطرابات التي تتصاعد على أكثر من جبهة؛ إذ تباطأ تفكيك الأسلحة المتقاعدة، وعدد الرؤوس الجديدة التي تدخل الخدمة أصبح في ازدياد.
معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام “سيبري”، أكد أن عصر نزع السلاح النووي الذي استمر منذ نهاية الحرب الباردة يقترب من نهايته، وأن العالم يتجه نحو سباق جديد للتسلّح، يعكس واقعًا تتزايد فيه المخاوف من صراع نووي محتمل.
في تقييمه السنوي لحالة التسلح ونزع السلاح والأمن الدولي، أكد “سيبري” أنه على الرغم من أن عدد الرؤوس النووية في العالم استمر في الانخفاض العام الماضي بسبب تفكيك الولايات المتحدة وروسيا للرؤوس الحربية المتقاعدة، فإن وتيرة مثل هذه التفكيكات تتباطأ.
وقال إن معدل دخول الرؤوس الحربية الجديدة إلى المخزونات العالمية قد يتجاوز قريبا معدل تفكيك الأسلحة، وذلك في ظل سعي الدول النووية إلى تنفيذ برامج التحديث.
وتمتلك تسع دول في العالم رؤوساً نووية في ترساناتها وهم: (الولايات المتحدة – روسيا – المملكة المتحدة – فرنسا – الصين – الهند – باكستان – كوريا الشمالية – إسرائيل).
ويُقدر مخزون الدول التسعة العالمي بنحو 12241 رأسًا نوويًا، منها 9614 في المخزونات العسكرية للاستخدام المحتمل.
من بين هذه الرؤوس، أكثر من 2000 رأس نووي في حالة “تأهب تشغيلي قصوى”، أي مُثبتة على صواريخ باليستية جاهزة للإطلاق السريع – معظمها يعود إلى الولايات المتحدة وروسيا.
ورغم التحديات التي واجهتها برامج التحديث النووي في هذين البلدين خلال العام الماضي، يتوقع معهد “سيبري” أن يشهد المستقبل القريب زيادة في نشر الأسلحة النووية من قبلهما.
في المقابل، تواصل الصين توسيع ترسانتها النووية بوتيرة سريعة، إذ تُقدر حيازتها حاليًا بما لا يقل عن 600 رأس نووي – مع إضافة نحو 100 رأس جديد سنويًا منذ عام 2023.
ويتوقع المعهد أن تصل الصين، بحلول نهاية العقد، إلى امتلاك عدد من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات يعادل ما تمتلكه روسيا أو الولايات المتحدة.
في سياق آخر، شهد عام 2024 تصاعدًا في الجدل حول ترتيبات “المشاركة النووية”، وهي تطورات اعتبرها معهد الأمن الدولي محفوفة بالمخاطر.
من أبرز هذه التطورات: مزاعم روسيا وبيلاروسيا بشأن نشر أسلحة نووية روسية داخل الأراضي البيلاروسية، وتلميحات دول أوروبية أعضاء في حلف الناتو إلى استعدادها لاستضافة أسلحة نووية أمريكية، بالإضافة إلى تصريحات لافتة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أشار فيها إلى أن الردع النووي الفرنسي يمكن أن يشمل “بُعدًا أوروبيًا”.
وفي هذا السياق، ارتفع الإنفاق العسكري العالمي للعام العاشر على التوالي في عام 2024 ليصل إلى 2.7 تريليون دولار، مدفوعًا بشكل كبير بالغزو الروسي لأوكرانيا.
وشدد مات كوردا، الباحث المشارك في معهد سيبري، على حقيقة أساسية غالبًا ما يتم تجاهلها: “الأسلحة النووية لا تضمن الأمن، وكما أظهر التصعيد الأخير للأعمال العدائية في الهند وباكستان، فإن الأسلحة النووية لا تمنع الصراع، بل تأتي مع مخاطر هائلة للتصعيد والخطأ الكارثي في الحسابات، وقد ينتهي بها الأمر إلى جعل سكان بلد ما أقل أمانًا، وليس أكثر”.
يشير معهد “سيبري” إلى أن البرنامج النووي لكوريا الشمالية لا يزال يشكل محورًا أساسيًا في استراتيجيتها للأمن القومي، حيث يُقدّر أنها تمتلك نحو 50 رأسًا حربيًا، مع ما يكفي من المواد الانشطارية لإنتاج ما يصل إلى 90 رأسًا.
أما إسرائيل -التي لا تعترف رسميًا بامتلاكها لأسلحة نووية- فيُعتقد أنها تعمل على تحديث ترسانتها، والتي قُدّر عدد رؤوسها الحربية بحوالي 90 رأسًا في مطلع العام الجاري.
وفي تعليق لافت، حذّر دان سميث مدير المعهد، من أن سباق التسلح النووي المقبل لن يقتصر على عدد الرؤوس الحربية فقط، بل سيتطلب قدرات تقنية متقدمة، تشمل الفضاء الخارجي والفضاء الإلكتروني، حيث تصبح البرمجيات الموجهة للرؤوس النووية ساحة صراع جديدة.
وأشار سميث إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يبدأ بلعب دور متزايد، في البداية كمساعد للبشر، لكنه حذر من احتمال تطوره إلى نظم آلية بالكامل، مضيفًا: “هذه خطوة يجب ألا نتخذها أبدًا. إذا تركنا مصير البشرية والردع النووي في أيدي الذكاء الاصطناعي، فنحن نقترب من سيناريوهات يوم القيامة”.