على مدار عقدين، أخذ الاحتلال الإسرائيلي على عاتقه مهمة التخطيط لضرب إيران، بهدف منع الجمهورية الإسلامية من تطوير سلاحها النووي وهو الأمر الذي خاض الطرفان من أجله مفاوضات استمرت لأشهر قبل تنفيذ الهجمة الاستراتيجية الإسرائيلية.
وعلى الرغم من علانية هدف الاحتلال لمهاجمة إيران والذي صرّح به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلا أن هناك بعض العوامل التي أدت لاتخاذ القرار في هذا التوقيت تحديدًا وأبرزها:
يسيطر هذا الشعور على القادرة الإسرائيليين منذ هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023 على الأراضي المحتلة، إذ رسَخ الأمر لقناعة لدى المحتل بأنه يخوض معكة من أجل البقاء الوطني. وفي هذا السياق، باتوا ينظرون إلى القنبلة الإيرانية كخطر وجودي لم يعد لديهم أي هامش للتعايش معه أو احتوائه.
ترى إسرائيل أن الفرصة سانحة أمامها لضرب إيران التي تعيش وضعًا دفاعيًا أضعف بكثير مما كانت عليه لسنوات. فالغارات الجوية الإسرائيلية في أكتوبر الماضي كانت قد ألحقت أضرارًا بالغة بالدفاعات الجوية الإيرانية وقدراتها الصاروخية، مما جعل توجيه ضربة الآن، بينما لا تزال إيران ضعيفة، خيارًا مغريًا.
جاء الهجوم الإسرائيلي في أعقاب إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية هذا الأسبوع بأن إيران تنتهك التزاماتها بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي، وأنها تقترب بسرعة من “القدرة على الاختراق”، أي امتلاك القدرة على تجميع سلاح نووي في فترة زمنية قصيرة جدًا.
يشعر الكيان المحتل حاليًا بثقة أكبر في قدرتها على إعادة رسم خريطة القوى في الشرق الأوسط بشكل جذري. فبعد أن تجاهلت التحذيرات الأمريكية ونجحت في تحييد قدرات حزب الله في لبنان الصيف الماضي واحتواء التداعيات، انتقلت الآن لشن هجوم مباشر على خصمها الإقليمي الرئيسي، إيران، لتثبيت نفسها كقوة عظمى إقليمية.
يتعرض الاحتلال في الوقت الراهن لضغوط دولية بسبب الحرب وشبه المجاعة في غزة، ولذلك فإن شن هجوم على إيران يمكّن حكومة بنيامين نتنياهو من تحويل الأنظار عن هذا الملف، بل وقد يُجبر الدول الأوروبية، التي ازدادت انتقاداتها لتل أبيب، على الاصطفاف مجددًا للدفاع عنها في مواجهة التهديد الإيراني.
العامل السادس والحاسم هو قناعة الاحتلال الراسخة بعدم جدوى المحادثات النووية التي تجريها إدارة ترامب مع إيران. فقد اعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن هذه المحادثات لم تكن مضللة فحسب، بل وخطيرة أيضًا، لأنها قد تترك لإيران برنامجًا نوويًا قائمًا. ومع اقتراب موعد جولة محادثات حاسمة بين طهران وواشنطن نهاية هذا الأسبوع، قررت إسرائيل إجهاض هذا المسار عبر العمل العسكري.