في خطوة تعكس تصاعد الضغوط الأوروبية على إسرائيل، أعلنت المملكة المتحدة عن وقف مفاوضاتها التجارية مع تل أبيب، وفرضت عقوبات على مستوطنين في الضفة الغربية المحتلة، جاء ذلك في أعقاب العملية العسكرية الإسرائيلية المتجددة على قطاع غزة، والتي وصفتها لندن بأنها “غير مبررة أخلاقيًا” و”غير متناسبة تمامًا”.
تتزامن التحركات البريطانية، مع تهديدات مماثلة من فرنسا وكندا باتخاذ “إجراءات ملموسة”، تمثل تحولًا واضحًا في مواقف بعض الحلفاء التقليديين لإسرائيل، خاصة في ظل استمرار الحصار المفروض على غزة ومنع دخول المساعدات الإنسانية.
بدأت إسرائيل منذ الخامس من مايو هجومًا عسكريًا جديدًا على قطاع غزة، في وقت أعلن فيه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نية بلاده “السيطرة على قطاع غزة بأكمله”.
ووفقًا للتقارير، فقد أسفر الهجوم عن مئات القتلى في صفوف المدنيين، بينما ظل الحصار الإسرائيلي يمنع دخول أي مساعدات إلى القطاع لمدة 11 أسبوعًا، قبل أن يُسمح مؤخرًا بدخول خمس شاحنات فقط، وهو عدد ضئيل مقارنة بالحاجة اليومية التي تصل إلى 500 شاحنة، وفق السلطات المحلية.
أكد وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، اليوم الثلاثاء أمام المشرعين، أن المملكة المتحدة لا تزال تدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، لكنه حذر من أن “الصراع يدخل مرحلة جديدة مظلمة”، مشيرًا إلى أن القوات الإسرائيلية حاصرت غزة وحرمت برنامج الغذاء العالمي من مخزوناته.
وأضاف لامي أن حكومة نتنياهو تخطط لطرد سكان غزة إلى ركن صغير جنوب القطاع، وتقدم لهم الحد الأدنى من المساعدات.
في السياق ذاته، أعلنت وزارة الخارجية البريطانية عن استدعاء السفيرة الإسرائيلية في لندن، تسيبورا حوتوفيلي، بسبب التصعيد العسكري في غزة وأعمال العنف الاستيطاني في الضفة الغربية، مؤكدة أنها فرضت عقوبات على ثلاث شخصيات وأربع جهات مرتبطة بالحركة الاستيطانية.
جاء الرد الإسرائيلي سريعًا وغاضبًا، إذ وصفت وزارة الخارجية الإسرائيلية العقوبات بأنها “محيرة وغير مبررة ومؤسفة”، معتبرة أن الضغوط الأوروبية لن تؤثر على موقف إسرائيل.
واعتبرت الخارجية الإسرائيلية أن قرار بريطانيا بتعليق المفاوضات التجارية يعكس “هوسًا معاديًا لإسرائيل” و”انقيادًا لاعتبارات سياسية داخلية”، مؤكدة أن تل أبيب لن تغير مسارها نتيجة الضغوط الخارجية.
في تطور موازٍ، أعلنت السويد عزمها الضغط داخل الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات على وزراء إسرائيليين محددين، في ظل استمرار الأزمة الإنسانية في غزة.
وقالت وزيرة الخارجية السويدية ماريا مالمر ستينرغارد إن بلادها لا ترى أي تحسن في وضع المدنيين، وبالتالي فإن “لهجتنا يجب أن ترتفع أكثر”، في إشارة إلى تصاعد الضغوط الأوروبية.
وأضافت وزيرة الخارجية السويدية أن العقوبات ستستهدف “من يدعمون الاستيطان غير القانوني ويعارضون حل الدولتين”، موضحة أن أسماء المسؤولين المستهدفين ستُحدّد في النقاشات الجارية داخل الاتحاد الأوروبي، وعلى الرغم من ذلك، أكدت الوزيرة أن السويد لا تزال تعتبر نفسها “صديقة لإسرائيل”، لكنها أعربت عن قلقها العميق من تصرفات الحكومة الإسرائيلية وعدم ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة.
تبرز هذه التطورات كمرحلة جديدة في العلاقات بين أوروبا وإسرائيل، حيث تُعد الضغوط الأوروبية الحالية من بين الأشد منذ سنوات، فبجانب بريطانيا والسويد، تتزايد الأصوات داخل الاتحاد الأوروبي الداعية إلى اتخاذ مواقف أكثر صرامة تجاه السياسة الإسرائيلية، خصوصًا في ملفي غزة والاستيطان.
مع تصاعد الانتقادات الغربية، يبدو أن إسرائيل ستواجه عزلة دبلوماسية متزايدة ما لم تتجاوب مع المطالب الدولية، وخاصة مع تكرار عبارة “الضغوط الأوروبية” في المشهد السياسي، كعنوان لمرحلة قد تحمل تغييرات جوهرية في المواقف الدولية تجاه الاحتلال والحصار.
بين العقوبات، التصريحات الحادة، وتعليق الاتفاقيات، تتبلور ملامح سياسة أوروبية جديدة تجاه إسرائيل، تقودها الضغوط الأوروبية المتنامية، التي باتت أداة مركزية في السياسة الخارجية الأوروبية، تفتح الباب أمام تغييرات محتملة في توازن العلاقات الإقليمية والدولية، إذا ما استمرت الأزمة الإنسانية والعدوان العسكري دون حل.
يمكنك أن تقرأ أيضًا:
هل بدأ تنفيذ خطة تهجير الفلسطينيين سرًا؟
استراتيجية إسرائيل لإدارة التوترات مع الولايات المتحدة
إنفوجرافيك| كامل إدريس.. عقل دبلوماسي في صراع البنادق بالسودان
