تسعى روسيا وأوكرانيا للتوصل إلى اتفاق سلام يُنهي الحرب الدائرة منذ ثلاثة أعوام، وتُجرى حاليًا محادثات بين الطرفين في تركيا بحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ويحاول ترامب أن يُنهي الحرب في أوكرانيا كما وعد خلال حملته الانتخابية في نوفمبر الماضي، وذلك حتى يحقق نجاحًا ملموسًا يُحب له في ولايته الثانية، ولكن إبرام صفقة سلام بين الجانبين قد يكون محفوفًا بالتحديات والمخاطر.
على الرغم من انفتاح روسيا للانخراط في محادثات بشأن إنهاء الحرب، إلا أن أوكرانيا التي تعرضت للغزو في عام 2022، وقبلها لضم شبه جزيرة القرم في عام 2014 تحاول الحصول على ضمانات أمنية من القوى الكبرى وخصوصًا الولايات المتحدة. وتؤكد كييف أن تلك الضمانات تتخطى مذكرة بودابست لعام ١٩٩٤، التي اتفقت بموجبها روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا على احترام السيادة الأوكرانية والامتناع عن استخدام القوة ضدها. ولكن وفق المحللين، فإن أي ضمانة سيقدمها الغرب لكييف من شأنها أن تقيده في الاشتراك في أي حرب مستقبلية محتملة مع روسيا، وفي نفس الوقت إبرام أي صفقة أمنية بلا ضمانات ستجعل أوكرانيا في مهب الريح. وكانت رويترز اطلعت على مسودة تتعلق بتسوية سلمية محتملة في أوكرانيا، تضمنت “ضمانة أمنية قوية” تشمل اتفاقيةً محتملةً شبيهةً بالمادة الخامسة.
وتُلزم المادة الخامسة من معاهدة حلف شمال الأطلسي (الناتو) الحلفاء بالدفاع عن بعضهم البعض في حال تعرضهم لهجوم، مع أن أوكرانيا ليست عضوًا في الحلف. وكانت أوكرانيا ستوافق على الحياد الدائم في اتفاق غير ناجح في 2022، مقابل ضمانات أمنية من الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وهم: بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة، ودول أخرى بما في ذلك بيلاروسيا وكندا وألمانيا وإسرائيل وبولندا وتركيا. ولكن المسؤولين في كييف قالوا إن الحياد خطر أحمر لن يتجاوزوه.
يُعد انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو من أهم الأسباب التي أدت إلى الغزو الروسي، إذ ترى موسكو أن الانضمام أمر غير مقبول وعليها أن تبقى محايدة بدون قواعد أجنبية، فيما ترى الأخيرة أن روسيا لا يحق لها أن تقرر تحالفات أوكرانيا. وخلال قمة بوخارست عام 2008، اتفق قادة حلف شمال الأطلسي “الناتو” على أن أوكرانيا وجورجيا ستصبحان عضوين في الحلف يومًا ما. وفي عام 2019، عدّلت أوكرانيا دستورها، ملتزمةً بمسار العضوية الكاملة في حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي. ولكن في نفس الوقت قال المبعوث الأمريكي الجنرال، كيث كيلوج، إن عضوية أوكرانيا في الناتو “غير واردة”، فيما قال ترامب إن دعم الولايات المتحدة لكييف في انضمامها كان سببًا في اندلاع الحرب.
وناقشت كلا من روسيا وأوكرانيا مسألة الحياد الدائم لكييف في عام 2022، وكانت روسيا تسعى لفرض قيود على الجيش الأوكراني، ولكن كييف عارضت بشدة تقييد قوتها العسكرية. وقالت روسيا إنها لا تعارض انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي على الرغم من أنه مسعى قد يتم رفضه من بعض أعضاء الكتلة.
خلال الحرب المستمرة منذ عام 2022، سيطرت روسيا على نحو خُمس الأراضي الأوكرانية، إلى جانب شبه جزيرة القرم التي تقع تحت هيمنتها بالفعل منذ عام 2014. ويقول بوتين إن شرطه لإتمام اتفاق وقف إطلاق النار ينطوي على ضرورة انسحاب أوكرانيا من تلك المناطق، بخلاف انسحابها من المناطق التي لا تسيطر روسيا عليها. وتسيطر القوات الروسية على كامل لوغانسك تقريبًا، وأكثر من 70٪ من مناطق دونيتسك وزابوريزهيا وخيرسون، وفقًا لتقديرات روسية. كما تسيطر روسيا على جزء صغير من منطقة خاركوف، وتقول إنها أصبحت جزءًا من الأراضي الرسمية الروسية، وهو أمر لا تقبله أغلب الدول.
وبموجب خطة السلام التي أعدتها إدارة ترامب، فإن الولايات المتحدة سوف تعترف قانونيا بالسيطرة الروسية على شبه جزيرة القرم، وتعترف فعليا بالسيطرة الروسية على لوغانسك وأجزاء من زابوريزهيا ودونيتسك وخيرسون. ولكن كييف ترى أن الاعتراف القانوني بالسيادة الروسية على تلك الأراضي هو أمر مخالف لقوانينها ودستورها.
تختلف روسيا وأوكرانيا حول العقوبات التي تم فرضها على موسكو، وفي حين تسعى الأخيرة لرفعها من خلال توطيد العلاقات مع الولايات المتحدة، تُصر كييف على استمرار العقوبات. وستواجه روسيا خطر استمرار بعض العقوبات الأخرى من جانب الاتحاد الأوروبي وبعض الدول الغربية مثل أستراليا وبريطانيا وكندا واليابان – لسنوات قادمة. وذكرت وكالة رويترز للأنباء أن الحكومة الأميركية تدرس سبل تخفيف العقوبات على قطاع الطاقة الروسي كجزء من خطة واسعة النطاق تهدف إلى تمكين واشنطن من تقديم تخفيف سريع للعقوبات إذا وافقت موسكو على إنهاء الحرب في أوكرانيا.
بحسب تقديرات ترامب، فإن بوتين قد يكون أكثر إصرارًا على التوصل إلى اتفاق سلام مع أوكرانيا في ظل تراجع أسعار النفط الذي يؤثر على بلاده وهي ثاني أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم. على الرغم من أن الكرملين قال إن المصالح الوطنية تتفوق على أسعار النفط. وفي وقت سابق من هذا الشهر، ذكرت وكالة رويترز أن مسؤولين من واشنطن وموسكو أجروا مناقشات بشأن قيام الولايات المتحدة بالمساعدة على إحياء مبيعات الغاز الروسي إلى أوروبا.
أدت الحرب إلى دمار في أوكرانيا يتطلب مئات المليارات من الدولارات لتنفيذ إعادة الإعمار، وقد تكون رغبة بعض الدول الأوروبية في استخدام الأصول السيادية الروسية المجمدة لديها في مساعدة كييف عقبة في سبيل التوصل إلى حل سلمي، خصوصًا في ظل رفض روسيا للفكرة. وذكرت وكالة رويترز في فبراير أن روسيا قد توافق على استخدام 300 مليار دولار من الأصول السيادية المجمدة في أوروبا لإعادة إعمار أوكرانيا، لكنها ستصر على إنفاق جزء من الأموال على خمس مساحة البلاد التي تسيطر عليها قوات موسكو.