شهد اجتماع دولي كبير في لندن كان من المفترض أن يضع أسسًا لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، تراجعًا كبيرًا في أهميته بعد إعلان وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو عدم حضوره، مبررًا غيابه بـ”قضايا لوجستية”، بحسب ما أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية تامي بروس.
تأكيد وزارة الخارجية البريطانية أن الاجتماع سيُعقد على “مستوى أدنى” ومغلق أمام الإعلام، زاد من الشكوك حول جدية المساعي الدولية لإنهاء الصراع المستمر منذ عامين.
وأثار غياب روبيو تكهنات حول توجه واشنطن لتقليص حضورها الدبلوماسي في هذا الملف الحساس.
رغم الضغوط الأمريكية المتزايدة لدفع كييف نحو تسوية سلمية، تصر أوكرانيا على عدم الاعتراف بسيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم أو الأقاليم التي استولت عليها موسكو بعد غزو 2022، تصريحات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمس الثلاثاء كانت حازمة: “لا مجال للحديث عن القرم… الأمر مخالف لدستورنا”.
هذه المواقف الأوكرانية قوبلت بانتقادات من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي قال إن “تصريحات زيلينسكي التحريضية تعيق فرص السلام”، محذرًا من أن استمرار الحرب قد يعني خسارة أوكرانيا بالكامل.
في خطوة تصعيدية، أعلن نائب الرئيس الأمريكي، جيه دي فانس، من الهند أن بلاده قدمت “اقتراحًا واضحًا للغاية” للجانبين، محذرًا من أن الولايات المتحدة “ستنسحب من العملية” إذا لم يبد الطرفان تجاوبًا.
وجاء ذلك بالتزامن مع تأكيد مصدر أمريكي أن المقترح الذي عُرض يتضمن الاعتراف ضمنيًا بسيطرة روسيا على القرم، ووقف إطلاق نار على خطوط المواجهة الحالية، وهو ما يمثل تغيرًا جذريًا في السياسة الأمريكية التي رفضت منذ 2014 الاعتراف بضم موسكو للقرم.
رغم المساعي الأوروبية، خصوصًا من بريطانيا وفرنسا، لإنعاش المسار التفاوضي، فإن تراجع روبيو عن حضور محادثات لندن وضعف التمثيل الأمريكي أضعف الزخم السياسي للاجتماع.
وحلّ كيث كيلوج، المبعوث الخاص لترامب، بدلًا من روبيو، في تمثيل الولايات المتحدة، مما يشير إلى تحول في أسلوب إدارة واشنطن للأزمة، ربما نحو دور أكثر خلفية.
على الأرض، لا تزال العمليات العسكرية مستعرة، فقد أعلنت كييف اليوم الأربعاء مقتل تسعة مدنيين وإصابة ثلاثين آخرين في هجوم بطائرة روسية بدون طيار قرب مدينة مارهانيتس، بينما أعلنت موسكو تدمير 17 طائرة أوكرانية مسيّرة خلال الليل.
ويأتي ذلك بعد هدنة قصيرة خلال عطلة عيد الفصح، تبادل الطرفان الاتهامات بشأن خرقها.
بحسب تسريبات إعلامية، فإن الإطار الذي قدمته واشنطن يشمل وقفًا لإطلاق النار مع تثبيت الوضع القائم ميدانيًا، في مقابل فتح باب المفاوضات بشأن الوضع المستقبلي للأراضي المتنازع عليها.
وقال فانس: “على الطرفين أن يتخليا عن بعض الأراضي”، مؤكدًا أن “الخط الحالي هو الأقرب لأن يكون حدود الصراع المستقبلية”.
رغم التوترات، ألمح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى استعداده لإجراء مفاوضات مباشرة مع أوكرانيا بشأن وقف إطلاق النار.
وأكد الكرملين أن مبعوث الرئيس ترامب للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، سيزور موسكو قريبًا لمواصلة المباحثات، في إشارة إلى تطور جديد في القنوات الخلفية للتفاوض.
ومن جهته، قال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، إن “بوتين يدرس الخيارات التفاوضية بجدية”، لكنه شدد على ضرورة “مزيد من النقاشات لتحديد الأهداف المدنية”، في إشارة إلى الخلافات المستمرة بشأن طبيعة الضربات العسكرية.
المشهد السياسي يشير إلى تراجع واضح في مستوى الحضور الأمريكي في المفاوضات، وتبدل في لهجة الخطاب، مع ضغوط على كييف للقبول بتنازلات.
وبينما لا تعلن واشنطن رسميًا الانسحاب، فإن المؤشرات الميدانية والدبلوماسية توحي بأنها بدأت بالفعل تقليص التزاماتها تدريجيًا، ما قد يمهد لتحولات جذرية في شكل الصراع وتوازناته في الشهور القادمة.
يمكنك أن تقرأ أيضًا:
الأردن تحظر أنشطة “الإخوان” في البلاد
إنفوجرافيك| لبنان.. حصر السلاح في يد الدولة تاريخ طويل بلا حلول
