مع دخول الحرب في السودان عامها الثالث، تؤكد منظمات إنسانية دولية والأمم المتحدة أن البلاد تواجه أكبر أزمة إنسانية على مستوى العالم، وسط صمت دولي متزايد وتقاعس واضح في وقف المأساة المستمرة.
ففي وقت تُحطّم فيه الأرقام القياسية للمعاناة، لا تزال الجهود الدولية لإحلال السلام متعثّرة ومتأخرة، فيما تستمر المأساة على الأرض.
تستضيف العاصمة البريطانية لندن، الثلاثاء المقبل، اجتماعًا لوزراء من عشرين دولة، في محاولة لإحياء مسار السلام المتوقف في السودان.
ووعلى الرغم من أهمية هذا التحرك، إلا أن مراقبين يرون أن الجهود الدبلوماسية تجاه السودان غالبًا ما تهمّش لصالح أزمات دولية أخرى أكثر حضورًا في وسائل الإعلام، مثل الحرب في أوكرانيا أو النزاع في غزة.
في مشهد يعيد إلى الأذهان أهوال أوائل الألفية، تتعرض منطقة دارفور لهجمات عنيفة، خصوصًا في محيط مدينة الفاشر.
وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن قوات الدعم السريع شنت هجمات برية وجوية استهدفت المدينة ومخيمي زمزم وأبو شوك للنازحين، ما أسفر عن سقوط أكثر من 400 قتيل، بحسب مصادر موثوقة، وسط تقارير عن نزوح جماعي شمل نحو 400 ألف شخص من مخيم زمزم وحده.
تشير الأرقام إلى أن الحرب في السودان أدت إلى مقتل عشرات الآلاف من المدنيين، فيما يُقدَّر عدد من يواجهون خطر المجاعة بالملايين.
ويعيش نحو 24.6 مليون سوداني – أي ما يقرب من نصف السكان – في حالة انعدام أمن غذائي حاد، بينما اقتلع النزاع نحو 13 مليون شخص من بيوتهم، لجأ منهم 4 ملايين إلى دول الجوار.
وصفت إليز نالبانديان، مديرة المناصرة الإقليمية في منظمة أوكسفام، الوضع في السودان بأنه “الأسوأ في تاريخه”، مضيفة: “نحن أمام أكبر أزمة إنسانية، وأكبر أزمة نزوح، وأكبر أزمة جوع في العالم… إنها أزمة تحطّم كل الأرقام القياسية “
من جانبه، قال دانيال أومالي، رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في السودان، إن الانتهاكات بحق المدنيين جسيمة، وإن ملايين السودانيين “عالقون بين الأطراف المتنازعة، ويدفعون الثمن يومًا بعد يوم”.
تعود جذور النزاع إلى عام 2018، حين اندلعت الاحتجاجات الشعبية ضد حكم الرئيس السابق عمر البشير، ما أدى إلى الإطاحة به في أبريل 2019 بتحالف بين الجيش وقوات الدعم السريع.
إلا أن ذلك التحالف انقلب إلى صراع مفتوح في 2023، بعد أن تصاعدت طموحات حميدتي – قائد الدعم السريع – إلى السلطة، لينفجر الوضع إلى حرب شاملة.
قوات الدعم السريع، المنبثقة من ميليشيات الجنجويد التي اتُهمت بارتكاب إبادة جماعية في دارفور مطلع الألفية، تمكنت من تحقيق مكاسب ميدانية واسعة في الأسابيع الأولى للنزاع، وامتدت المعارك إلى مناطق بعيدة عن العاصمة الخرطوم، مخلفة دمارًا واسعًا وانتهاكات ممنهجة ضد المدنيين.
في تقرير صادم نُشر في نوفمبر 2024، وثقت الأمم المتحدة شهادات لاجئين من إثنية المساليت، فرّوا من دارفور إلى تشاد، أكدوا فيها تعرض النساء والفتيات للاغتصاب الجماعي، وإعدام الأولاد في الشوارع، في جرائم ترقى إلى التطهير العرقي.
في يناير 2025، أعلنت الولايات المتحدة رسميًا أن قوات الدعم السريع ارتكبت إبادة جماعية، وهي المرة الثانية التي يُتهم فيها طرف سوداني بارتكاب هذه الجريمة الدولية خلال ثلاثة عقود، مما يسلّط الضوء على عمق الأزمة وفظاعتها.
عبّرت مسؤولة الإعلام في برنامج الأغذية العالمي، ليني كينزلي، عن أسفها لغياب التغطية والاهتمام الدولي الكافي بالأزمة السودانية، مؤكدة أن “السودان لا يُنسى، بل يُتجاهل”، بسبب أزمات عالمية أخرى تتصدّر العناوين، في ظل صعوبة وصول الصحفيين إلى البلاد، وعزلة السودان السياسية منذ عهد البشير.
مع تفاقم المأساة الإنسانية، يوجّه مسؤولو الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية نداءً أخيرًا إلى المجتمع الدولي للتحرك السريع، وتكثيف الجهود الدبلوماسية والإنسانية، قبل أن يغرق السودان بالكامل في مستنقع حرب لا تُبقي ولا تذر، تنذر بإطالة أمد معاناة الملايين وتهدد استقرار المنطقة بأسرها.
يمكنك أن تقرأ أيضًا:
المخابرات الأردنية تحبط مخططات تخريبية تهدد الأمن الوطني
هل يمكن أن يعرقل الاحتلال الدعم الدولي للموازنة الفلسطينية؟
كيف تحولت الصين من “التودد” إلى “تحدي” ترامب والرسوم الجمركية؟