تظهر بيانات الاستثمار لعام 2024 تحولًا في خريطة أبرز المستثمرين الأجانب بالسعودية، حيث حافظت الولايات المتحدة الأمريكية على صدارتها مع نمو قياسي، فيما برز الصعود الهائل لدول من قارة آسيا كقوى استثمارية جديدة وفاعلة في الاقتصاد السعودي.
ويعكس هذا التنوع في مصادر التدفقات الاستثمارية، التي بلغ صافيها الإجمالي أكثر من 80 مليار ريال خلال العام، نجاح استراتيجية المملكة في توسيع قاعدة شراكاتها الاقتصادية وجذب رؤوس الأموال من أسواق عالمية متنوعة.
وتكشف الأرقام عن أداء متباين بين الشركاء التقليديين والمستثمرين الجدد، فبينما شهدت بعض الدول الأوروبية تراجعًا في حجم تدفقاتها، سجلت مراكز مالية آسيوية قفزات غير مسبوقة، مما يؤكد أن البيئة الاستثمارية في المملكة باتت وجهة عالمية قادرة على استقطاب اهتمام واسع من الشرق والغرب على حد سواء.
تصدرت الولايات المتحدة الأمريكية قائمة المستثمرين الأجانب بالسعودية لعام 2024، بصافي تدفقات استثمارية بلغ 10.58 مليار ريال، وهو ما يمثل حصة قدرها 13.2% من الإجمالي، ويعتبر النمو السنوي الهائل الذي حققته الاستثمارات الأمريكية، والذي وصل إلى 229.1%، دليلًا على عمق العلاقات الاقتصادية والثقة الكبيرة للشركات الأمريكية في الفرص التي توفرها رؤية 2030.
وجاءت دولة الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الثانية باستثمارات قيمتها 9.23 مليار ريال (11.5%)، ورغم أنها شريك استراتيجي رئيسي، إلا أن تدفقاتها شهدت تراجعًا سنويًا بنسبة 43.4%.
ولعل أبرز ما يميز مشهد المستثمرين الأجانب بالسعودية هو القفزة الصاروخية للاستثمارات القادمة من المراكز المالية الآسيوية الكبرى، فقد حلت هونغ كونغ في المرتبة الثالثة بتدفقات بلغت 7.15 مليار ريال، وبمعدل نمو سنوي أسطوري بلغ 921.2%.
ولم تكن سنغافورة أقل إبهارًا، حيث احتلت المركز الرابع بتدفقات قيمتها 6.84 مليار ريال، وبنسبة نمو هي الأعلى إطلاقًا، حيث وصلت إلى 6773.8%، الأمر الذي يمثل تحولًا استراتيجيًا في مصادر الاستثمار الأجنبي للمملكة.
وعلى صعيد الشركاء الإقليميين والأوروبيين، حافظت مصر على مركزها المتقدم في قائمة المستثمرين الأجانب بالسعودية بحلولها خامسًا باستثمارات مستقرة قيمتها 5.57 مليار ريال.
في المقابل، أظهرت الدول الأوروبية أداءً متفاوتًا؛ ففي حين سجلت ألمانيا نموًا قويًا بنسبة 110.2% بتدفقات بلغت 4.17 مليار ريال، شهدت كل من فرنسا وهولندا والمملكة المتحدة تراجعًا في حجم استثماراتها.
وتكشف هذه الأرقام بوضوح أن خريطة المستثمرين الأجانب بالسعودية تشهد إعادة تشكل سريعة، فمع الحفاظ على قوة الشركاء التقليديين، تنجح المملكة بشكل متزايد في جذب اهتمام قوى اقتصادية جديدة، خاصة من قارة آسيا، وهو ما يخدم أهدافها في بناء اقتصاد متنوع ومستدام قادر على مواجهة التقلبات العالمية بمرونة وثقة.