لم تعد الأحداث المناخية المتطرفة مجرد توقعات مستقبلية، بل أصبحت واقعًا ملموسًا تتزايد وتيرته بشكل مقلق في تاريخنا الحديث. لفهم الحجم الحقيقي للضرر الذي تخلفه هذه الكوارث، ويقدم “مؤشر مخاطر المناخ لعام 2025” الصادر عن منظمة Germanwatch، تحليلاً عميقًا يغطي الفترة من عام 1993 إلى 2022، كاشفًا عن الأبعاد الإنسانية والاقتصادية لهذه الظواهر.
عند تحليل تكلفة المناخ المتطرف من منظور إنساني، تبرز صورتان مختلفتان للكارثة. الصورة الأولى تتعلق بالخسائر المباشرة في الأرواح، حيث تتصدر العواصف القائمة باعتبارها النوع الأكثر فتكًا، إذ أودت بحياة 264 ألف شخص على مستوى العالم. وتأتي موجات الحر في المرتبة الثانية مباشرة بـ 225,600 حالة وفاة، مما يثبت أنها “قاتل صامت” يضرب بقسوة، خاصة الفئات الضعيفة في المدن التي تفتقر إلى بنية تحتية ملائمة للتبريد، كما حدث في صيف أوروبا القاتل عام 2022 الذي راح ضحيته أكثر من 60 ألف شخص.
أما الصورة الثانية، فتتعلق بحجم التأثير على حياة البشر، وهنا تبرز الفيضانات والجفاف كأكثر الظواهر تدميرًا للمجتمعات. فقد أثرت الفيضانات على 2.91 مليار شخص، وهو العدد الأكبر على الإطلاق، يليها الجفاف الذي أثر على 1.87 مليار شخص. كلا الظاهرتين تؤديان إلى تدمير شامل للمنازل والبنى التحتية، مما يتسبب في نزوح جماعي للسكان، بالإضافة إلى تفشي الأمراض الخطيرة المنقولة بالمياه مثل التيفوئيد والكوليرا.
من الناحية الاقتصادية، تتصدر العواصف المشهد بفارق هائل، حيث بلغت الخسائر التي سببتها 2.3 تريليون دولار أمريكي بعد تعديلها حسب التضخم. ولتوضيح حجم هذا الرقم، يكفي النظر إلى إعصاري “كاترينا” (2005) و”هارفي” (2017)، اللذين يُعدان من أكثر العواصف تكلفة في التاريخ، حيث تسبب كل منهما في أضرار قدرت بنحو 125 مليار دولار.
وعلى النقيض، فإن التأثير الاقتصادي المباشر لموجات الحر كان أقل بكثير، حيث لم يتجاوز 32 مليار دولار، مما يوضح أن الظواهر الأكثر فتكًا بالأرواح ليست بالضرورة هي الأكثر تكلفة من الناحية المالية المباشرة. ويساعد فهم هذه الفروقات في تكلفة الطقس المتطرف في توجيه الموارد بشكل أفضل لمواجهة كل نوع من الكوارث.
ويرسم تحليل تكلفة الطقس المتطرف على مدى ثلاثة عقود صورة قاتمة: تريليونات من الدولارات من الخسائر الاقتصادية، ومئات الآلاف من الوفيات، وحياة مليارات البشر التي انقلبت رأسًا على عقب. وتكشف البيانات أن لكل ظاهرة “شخصيتها” التدميرية الخاصة؛ فالعواصف عنيفة على كافة الأصعدة، وموجات الحر قاتلة بصمت، بينما تتخصص الفيضانات والجفاف في إحداث اضطراب مجتمعي واسع النطاق.