على مدى أكثر من نصف قرن، يروي السجل الرسمي لأعداد الحجاج قصة ملحمية من النمو المطرد والتحديات الاستثنائية التي واجهت أكبر تجمع ديني في العالم. فوفقًا للبيانات التاريخية التي وثقتها الهيئة العامة للإحصاء في المملكة، شهدت أعداد ضيوف الرحمن تباينات كبيرة خلال 56 موسم حج، بدءًا من عام 1390هـ (1970م) وحتى آخر موسم في عام 1445هـ (2024م).
في بداية السبعينيات الميلادية، كان إجمالي أعداد الحجاج يتجاوز حاجز المليون حاج بقليل. وخلال العقود الثلاثة التالية، شهدت الأعداد نموًا تدريجيًا وثابتًا، لتتجاوز حاجز المليوني حاج لأول مرة في مطلع الثمانينيات (حيث سجل موسم 1403هـ/1983م أكثر من 2.5 مليون حاج). وتواصل هذا الصعود مع التوسعات المستمرة في البنية التحتية والخدمات، ليبلغ الحج ذروته التاريخية في موسم عام 1433هـ (2012م)، مسجلاً رقمًا قياسيًا بلغ 3,161,573 حاجًا.
أعقب هذه الذروة مرحلة من الانخفاض النسبي في أعداد الحجاج بدءًا من عام 2013، وذلك لإفساح المجال أمام مشاريع التوسعة الكبرى في الحرم المكي الشريف، مما استدعى تخفيضًا مؤقتًا في الحصص المخصصة للدول.
إلا أن التحدي الأكبر والأكثر تأثيرًا في تاريخ الحج الحديث جاء مع جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19)، التي فرضت قيودًا غير مسبوقة تطلبت قرارات تاريخية للحفاظ على سلامة الإنسان. ونتيجة لذلك، اقتصر الحج في عام 1441هـ (2020م) على ألف حاج فقط من داخل المملكة، ثم ارتفع بشكل محدود إلى قرابة 59 ألف حاج في عام 1442هـ (2021م) في ظل إجراءات وقائية مشددة.
مع انحسار الجائحة، بدأت أعداد الحجاج في التعافي بوتيرة متسارعة، حيث قفز العدد إلى ما يقارب المليون حاج في عام 1443هـ (2022م). وشهد الموسمان الأخيران عودة قوية للأعداد المليونية، حيث تجاوز إجمالي الحجاج 1.84 مليون حاج في موسم 1444هـ (2023م)، واستقر عند 1.83 مليون حاج في موسم 1445هـ (2024م)، مما يعلن عودة الحج إلى استقبال وفود ضيوف الرحمن بأعداد كبيرة.
يعكس هذا الخط الزمني الممتد لـ 56 عامًا قصة نجاح في إدارة هذا الحدث العالمي، ويبرز قدرة المملكة على التكيف مع مختلف الظروف والتحديات العالمية لضمان استمرارية أداء الشعيرة بأمن وطمأنينة.