يكشف السباق العلمي المحموم لإيجاد حلول فعالة ومستدامة لمشكلة علاج السمنة عن تطورات واعدة قد تغير قواعد اللعبة بشكل كامل، فبعيدًا عن الحلول التقليدية المتمثلة في تغيير نمط الحياة، والجراحات، والطفرة الأخيرة في حقن إنقاص الوزن القائمة على هرمونات “جي إل بي-1″، يبرز الآن في الأفق مفهوم ثوري يتمثل في تطوير لقاح ضد السمنة.
وتستند هذه الفكرة الطموحة، التي لا تزال في مراحلها التجريبية المبكرة، على تحفيز جهاز المناعة في الجسم لمهاجمة المسارات البيولوجية المسؤولة عن زيادة الوزن، مما قد يوفر حلاً طويل الأمد وبجرعات متباعدة، ليكون بذلك أحد أحدث طرق علاج السمنة التي يترقبها الملايين حول العالم.
ويأتي هذا التوجه في ظل تفاقم وباء السمنة عالميًا، حيث تضاعفت معدلاتها بين البالغين أربع مرات منذ عام 1990، مع وجود أكثر من 900 مليون شخص يعانون من السمنة في عام 2022.
وعلى الرغم من الفعالية الكبيرة التي أثبتتها أدوية التنحيف الحديثة، مثل “سيماغلوتيد” و”تيرزيباتيد”، والتي تحقق إنقاص الوزن بنسب تتراوح بين 15% و22%، إلا أن تكلفتها الباهظة والحاجة إلى استخدامها بشكل مستمر يحدان من انتشارها، خاصة في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل.
تعتمد الفكرة الأساسية للقاحات المضادة للسمنة على “تدريب” جهاز المناعة لتوليد أجسام مضادة تستهدف وتحيّد هرمونات أو عوامل محددة في الجسم تلعب دورًا رئيسيًا في زيادة الوزن وتنظيم الشهية.
وتشمل أبرز الأهداف التي يعمل عليها الباحثون هرمون “الغريلين”، المعروف بـ”هرمون الجوع”، حيث تقوم اللقاحات بتحفيز الجسم على إنتاج أجسام مضادة تمنع وصول هذا الهرمون إلى الدماغ، مما يقلل من الشعور بالجوع.
وأظهرت التجارب قبل السريرية على نماذج مثل لقاح (CYT009-GhrQb) قدرته على خفض زيادة الوزن بنسبة تصل إلى 15% لدى الفئران.
وتمتد الأهداف لتشمل هرمونات أخرى مثل “السوماتوستاتين”، الذي يثبط هرمون النمو، حيث أدت اللقاحات التي تستهدفه مثل (JH17) و JH18)) إلى فقدان الوزن بنسبة 10-13% في نماذج حيوانية.
كما يبحث العلماء في إمكانية تطوير لقاحات تستهدف فيروس “أدينو 36″، الذي رُبط بزيادة تراكم الدهون لدى البشر، إذ أظهرت اللقاحات المعطلة لهذا الفيروس قدرتها على منع تراكم الدهون في الدراسات قبل السريرية، ويفتح هذا النهج المبتكر آفاقًا جديدة في مجال علاج السمنة تتجاوز الأساليب الدوائية التقليدية.
ورغم الوعود الكبيرة التي تحملها فكرة لقاح ضد السمنة، يقف الباحثون أمام عقبات وتحديات هائلة يجب تجاوزها قبل أن يصبح هذا الحلم حقيقة.
ويتمثل التحدي الأول في أن الأشخاص الذين يعانون من السمنة لديهم غالبًا استجابة مناعية متغيرة أو أضعف، مما قد يقلل من فعالية اللقاحات لديهم، وهي الفئة المستهدفة أساسًا بهذا النوع من علاج السمنة.
ويبرز تحدٍ آخر يتعلق بمعيار الفعالية المرتفع الذي فرضته حقن علاج السمنة الحالية، فمع تحقيق هذه الأدوية لنسب إنقاص الوزن تتجاوز 20%، بات لزامًا على أي لقاح جديد أن يحقق نتائج مماثلة أو أفضل ليحظى بالقبول.
وتعد السلامة على المدى الطويل هي الشاغل الأكبر، إذ إن استهداف هرمونات الجسم نفسه ينطوي على خطر حدوث تفاعلات مناعية ذاتية أو آثار جانبية غير متوقعة، خاصة مع تاريخ سحب العديد من أدوية التنحيف السابقة من الأسواق بسبب آثارها الجانبية الخطيرة.
وأخيرًا، تتطلب الهيئات التنظيمية، مثل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)، بيانات طويلة الأمد تثبت الحفاظ على فقدان الوزن بنسبة لا تقل عن 5% وتحسين الأمراض المصاحبة، وهو ما يتطلب تجارب سريرية مكثفة وممتدة زمنيًا، ويعتمد نجاح هذه التقنية يعتمد على قدرتها على التغلب على هذه التحديات المعقدة في مجال علاج السمنة.
ويخلص الباحثون إلى أن الطريق لا يزال طويلاً، لكن التقدم في تقنيات مثل لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA) قد يسرّع من وتيرة التطوير، وإذا تمكن العلماء من التغلب على هذه العقبات، فإن حقن علاج السمنة المستقبلية قد تكون عبارة عن جرعة لقاح تُعطى على فترات متباعدة، مما يمثل تحولاً جذرياً في مكافحة أحد أكبر التحديات الصحية في العصر الحديث.