في جسم الإنسان، تعيش تريليونات من الكائنات المجهرية، معظمها في الجهاز الهضمي. وعلى عكس ما قد يُظن، فإن أغلب هذه الميكروبات ليست ضارة، بل تشكل مجتمعًا حيويًا يُعرف باسم “الميكروبيوم”، يلعب دورًا أساسيًا في صحة الأمعاء من حيث: دعم الهضم، تقوية جهاز المناعة، وحماية الجسم من الميكروبات الممرضة. لكن هذا التوازن الدقيق في الميكروبيوم قد يتعرض للخلل بسبب استخدام المضادات الحيوية، أمراض مثل التهاب الأمعاء، أو بعض العلاجات مثل زراعة نخاع العظم. وهنا تبرز الحاجة إلى ترميم الميكروبيوم للحفاظ على صحة الأمعاء.
بحسب دراسة نُشرت في مجلة Nature، فإن العودة إلى نظام غذائي صحي هي الطريقة الأنجع لاستعادة صحة الأمعاء، متفوقة حتى على تدخلات علاجية شائعة مثل زراعة البراز (FMT). تقول الباحثة المشاركة في الدراسة، جوي بيرغيلسون: “هناك تركيز كبير حاليًا على استخدام زراعة البراز لعلاج اضطرابات الميكروبيوم، لكن دراستنا تثبت أن هذا النهج لن ينجح دون وجود نظام غذائي صحي، بل إن الطعام وحده قد يكون أكثر فاعلية.”
أجريت الدراسة على مجموعتين من الفئران، إحداهما اتبعت نظامًا غذائيًا غنيًا بالدهون وقليل الألياف (يحاكي النظام الغربي)، والأخرى تناولت طعامًا متوازنًا. بعد القضاء على ميكروبات الأمعاء باستخدام مضادات حيوية، لاحظ الباحثون أن الفئران ذات النظام الصحي استعادت توازنها الميكروبي في غضون أسبوع، بينما فشلت الفئران الأخرى في ذلك، ولم يبقَ في أمعائها سوى نوع واحد من البكتيريا سيطر على المشهد.
الأنظمة الغذائية الغنية بالألياف والكربوهيدرات المعقدة تُحفز نمو بكتيريا مختلفة تعمل في سلسلة متكاملة. أما السكريات البسيطة، فتوفر بيئة مريحة لنوع واحد فقط من البكتيريا يسيطر على كل شيء، مما يُضعف التنوع ويُرهق صحة الأمعاء.
في مرحلة تالية، جُرّبت زراعة الميكروبيوم من مصدر خارجي صحي، فتبين أن الفئران التي تتبع نظامًا صحيًا استفادت من الزراعة، في حين فشلت الزراعة في تحسين الوضع لدى الفئران التي ظلت على النظام الغربي.
عندما أدخل الباحثون بكتيريا السالمونيلا بعد أسبوعين من اختلال التوازن الميكروبي، أظهرت الفئران ذات النظام الغربي أعراضًا أشد خطورة. النتيجة؟ ضعف صحة الأمعاء يجعل الجسم عرضة للبكتيريا الممرضة، حتى بعد أسابيع من العلاج.
الدراسة توصلت إلى رسالة بسيطة: استعادة صحة الأمعاء لا تعتمد فقط على التدخلات العلاجية أو المكمّلات، بل تبدأ من الطبق اليومي. تناول الحبوب الكاملة، الخضروات، والألياف هو الطريق الأقصر والأبسط نحو توازن ميكروبي فعّال.