يظهر تحليل أحدث البيانات الديموغرافية في المملكة، أن مسار سكان السعودية يشهد نموًا متسارعًا وتحولًا فريدًا يخدم أجندة "رؤية 2030" الطموحة.
ويكشف الارتفاع الإجمالي لعدد السكان إلى 35.3 مليون نسمة بمعدل نمو بلغ 4.7% بنهاية عام 2024، مقارنة بالعام السابق، عن تقدّم في المكونات البشرية لاقتصاد البلاد.
تحليل أرقام سكان السعودية 2024
تؤكد تقديرات الهيئة العامة للإحصاء لعام 2024 على تسارع وتيرة النمو السكاني، حيث سجل الإجمالي زيادة قدرها 1.6 مليون نسمة مقارنة بعام 2023.
ويعكس هذا النمو المرتفع عاملين رئيسين، أولهما النمو الطبيعي للسعوديين، وثانيهما النمو الحاد في أعداد المقيمين الأجانب المرتبط بالطلب على العمالة لتنفيذ المشاريع الكبرى.
ويُشير تحليل الهيكل السكاني إلى هيمنة واضحة للقوة العاملة والذكور في عام 2024:
التركيبة الوطنية: بلغ عدد سكان السعودية بدون الأجانب حوالي 19.6 مليون نسمة، ما يشكل 55.6% من الإجمالي، وفي المقابل، وصل عدد السكان غير السعوديين إلى نحو 15.7 مليون نسمة بنسبة بلغت 44.4%.
التركيبة النوعية: تظهر البيانات تفوقًا كبيرًا في حصة الذكور، حيث بلغت نسبتهم 62.1% من إجمالي السكان (21.92 مليون نسمة)، مقابل 37.9% للإناث (13.37 مليون نسمة)، ويرجع هذا التباين بشكل رئيس إلى تدفق العمالة الوافدة التي يغلب عليها الذكور في الفئة العمرية العاملة.
الهيكل العمري: هيمنت الفئة العمرية من 15 إلى 64 سنة على نسبة كبيرة من السكان بلغت 74.7% (ما يعادل 26.4 مليون نسمة)، وفي المقابل، سجلت الفئة العمرية الشابة (0 إلى 14 سنة) نسبة 22.5%، فيما مثلت الفئة العمرية من 65 سنة فأكثر نسبة ضئيلة جدًا لا تتجاوز 2.8% (988 ألف نسمة).
ويعد هذا التركيب، الذي يتميز بانخفاض نسبة كبار السن وارتفاع نسبة القوة العاملة، مؤشراً على دخول المملكة في مرحلة "الهبة الديموغرافية" التي تعزز إمكانات النمو الاقتصادي.
مؤشرات سكان السعودية 2025 وما بعده
تتوقع بيانات الأمم المتحدة أن يستمر مسار النمو القوي في عدد سكان السعودية 2025 وما بعده، خاصة مع استمرار ضخ الاستثمارات الضخمة في مشاريع الرؤية التي تتطلب استقطاب المزيد من الكفاءات والعمالة، سواء السعودية أو الأجنبية.
ويمنح التركيز على الهيكل العمري المملكة ميزة تنافسية كبيرة على المدى المتوسط مقارنة بالدول التي تعاني من شيخوخة السكان.
ويشير ارتفاع نسبة القوة العاملة (15-64 سنة) أن عدد سكان السعودية يتمتعون بـ "نافذة ديموغرافية" واسعة.
ويعني هذا أن نسبة الإعالة غير المنتجة انخفضت إلى أدنى مستوياتها، ما يعني أن جزءًا كبيرًا من الدخل القومي يمكن توجيهه نحو الادخار والاستثمار بدلاً من الإنفاق على الرعاية الصحية والاجتماعية لكبار السن.
ومع ذلك، تفرض التركيبة السكانية تحديات مستقبلية تتطلب تخطيطًا دقيقًا، فقد أظهرت البيانات أن نسبة عدد سكان السعودية بدون الأجانب هي الأقل، ما يعني أن المملكة تعتمد بشكل كبير على العمالة الوافدة لسد الفجوة في سوق العمل.
ويتطلب تحقيق التوطين الناجح للقوة العاملة الوطنية استثمارًا مكثفًا في التعليم والتدريب عالي الجودة لتمكين الشباب السعودي من المنافسة على الوظائف في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية.
الدروس المستفادة من التعداد السكاني للسعودية
يجب الإشارة أن أي تعداد سكاني للسعودية أو تقديراته الحالية تبرز تحديين رئيسين في إدارة المستقبل، أولاً، تباين النوع الاجتماعي، وثانيًا، التخطيط لشيخوخة السكان المستقبلية.
ويفرض التباين النوعي ضرورة العمل على زيادة مشاركة المرأة السعودية في القوة العاملة بما يتناسب مع مؤهلاتها التعليمية، لسد الفجوة التي يتركها ارتفاع نسبة الذكور الوافدين.
وفيما يتعلق بالشيخوخة، فإن نسبة 2.8% فقط من السكان تزيد أعمارهم عن 65 سنة تعد من بين الأدنى عالميًا، ما يمنح المملكة فترة سماح طويلة (حوالي 20 إلى 30 عامًا) للاستعداد لتغير التركيبة السكانية.
ويبين الخبراء أن المخططين يجب عليهم البدء في وضع استراتيجيات طويلة الأجل لإدارة الزيادة المتوقعة في نسبة كبار السن بعد منتصف القرن الحادي والعشرين، بما في ذلك تطوير أنظمة الرعاية الصحية المتخصصة والمعاشات التقاعدية المستدامة.
ويعد استغلال الفترة الحالية، حيث يسيطر جيل القوة العاملة، هو المفتاح لتكديس الثروة وتطوير البنية التحتية قبل أن تبدأ نسبة الإعالة في الارتفاع.
المستقبل الوشيك لسكان السعودية
يعكس المسار الديموغرافي للمملكة، المتمثل في انخفاض نسبة صغار السن وارتفاع نسبة القوة العاملة، التقدم الاقتصادي والاجتماعي.
ويتطلب الحفاظ على معدل نمو مرتفع ومستدام التركيز على جودة ونوعية السكان بدلاً من مجرد الأعداد.
وتمتلك البلاد المقومات الديموغرافية الفريدة لتحقيق أهداف رؤيتها، شريطة أن تُترجم هذه الأرقام إلى خطط عمل فعالة تستهدف توفير الفرص المتكافئة لجميع شرائح سكان السعودية.












