أظهرت بيانات «صندوق النقد الدولي» لشهر أبريل 2025، اختلافًا كبيرًا في معدلات الفائدة الحقيقية بين 16 اقتصادًا رئيسيًا، وذلك في وقت تسعى فيه الحكومات لاحتواء التضخم وتحفيز النمو.
وسجّلت روسيا أعلى معدل للفائدة الحقيقية عالميًا بنسبة 14.5%، بعدما رفع «البنك المركزي الروسي» معدلات الفائدة لكبح التضخم المتصاعد، الذي اعتُبر أبرز التحديات الاقتصادية في موسكو.
في المقابل، انخفضت الفائدة الحقيقية في اليابان إلى -2.1%، رغم رفع «بنك اليابان» لسعر الفائدة الاسمي في 2024، منهيًا بذلك سياسة الفائدة السلبية للمرة الأولى منذ عام 2008.
تظهر الفائدة الحقيقية -المحسوبة بطرح معدل التضخم من الفائدة الاسمية- «الربح الفعلي» للمودعين أو تكلفة الاقتراض الحقيقية للمستثمرين. فعندما تكون منخفضة أو سلبية، تتوسع الأنشطة الاستهلاكية ويزيد الإقراض. أما ارتفاعها، فيُشجّع على الادخار ويُضيّق شروط التمويل.
وتؤدي الفائدة المرتفعة تؤدي إلى تضخم تكلفة خدمة الدين الحكومي. وبحسب بيانات نُشرت على «تطبيق فورونوي»، فإن العديد من الدول باتت تخصص نسبًا أعلى من ميزانياتها لخدمة الدين، ما ينعكس على الإنفاق الاجتماعي والاستثماري.
في تصنيف الدول الـ16 بحسب بيانات «النظرة الاقتصادية العالمية» لصندوق النقد، برزت دول مثل البرازيل (9.2%) والمكسيك (5.3%) كمثالين على الاقتصادات ذات الفائدة المرتفعة، في وقت استعادت فيه معدلات التضخم استقرارها مقارنة بذروتها عام 2022.
أما الولايات المتحدة، فسجّلت فائدة حقيقية بلغت 1.5%، في ظل ثبات «الفائدة الفيدرالية» عند 4.3% منذ مارس، رغم استمرار التضخم فوق هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%. وقد تأثر القرار بعدم الخفض بالتقلبات الناتجة عن رسوم جمركية فرضتها إدارة ترامب.
وفي أوروبا، لم تتجاوز الفائدة الحقيقية في فرنسا 1.2%، وسط توقعات بتراجعها إلى نحو 2% بحلول منتصف العام، مقارنة بـ2.4% في أبريل. الصين سجّلت 0.8%، فيما جاءت الهند وأستراليا عند 1.5%، في دلالة على توجه مشترك نحو الحذر النقدي.
اختلفت توجهات البنوك المركزية نتيجة تفاوت معدلات التضخم المحلي، والظروف الاقتصادية، والتحديات الجيوسياسية. فعلى سبيل المثال، تضررت روسيا من العقوبات الغربية التي زادت ضغوط الأسعار، بينما تسعى اليابان لتعويض سنوات من الانكماش النقدي.
وفي حين شرعت الاقتصادات المتقدمة في تقليص أسعار الفائدة مع تباطؤ التضخم، تواصل اقتصادات ناشئة مثل إندونيسيا وجنوب أفريقيا اعتماد نسب حقيقية مرتفعة للحفاظ على استقرار أسعار الصرف وجذب الاستثمارات.
في السياق التاريخي، جاءت هذه التباينات بعد سنوات من سياسات نقدية تيسيرية بدأت مع جائحة كورونا. وأدى الارتفاع العالمي في أسعار الطاقة والغذاء، إثر الحرب في أوكرانيا، إلى موجات تضخم متتابعة دفعت البنوك المركزية إلى سلسلة من الزيادات المتسارعة في أسعار الفائدة بدءًا من عام 2022.ش
وتُشير توقعات «صندوق النقد الدولي» إلى أن أسعار الفائدة الاسمية ستتجه إلى الانخفاض بنهاية 2025 في معظم الاقتصادات المتقدمة.
في الولايات المتحدة، يُتوقع خفض «الفيدرالي» للفائدة إلى 4%، بينما قد تهبط فائدة «البنك المركزي الأوروبي» إلى 2%. بالمقابل، يرجّح أن يواصل «بنك اليابان» زياداته التدريجية لكبح التضخم، رغم التحديات المرتبطة بتأثيرات الرسوم الجمركية الأمريكية.
ويرى أنصار الفائدة المرتفعة أنها ضرورة لضبط الأسواق وكبح التضخم. ووفقًا لتقرير «صندوق النقد»، فإن رفع الفائدة في الاقتصادات ذات التضخم المرتفع «يحمي القوة الشرائية ويعزز الثقة الاستثمارية».
في المقابل، يحذر منتقدو هذا التوجه من تبعاته على النمو والبطالة، خصوصًا في الاقتصادات النامية، حيث يزيد كلفة التمويل العام ويؤثر في قدرات الحكومات في تمويل مشاريع البنية التحتية.
