أعلن الفاتيكان، أمس الاثنين، عن وفاة البابا فرنسيس عن 88 عامًا، مما فتح الباب أمام تساؤلات عدة بشأن هوية البابا القادم.
يخشى البعض من التسرع في التنبؤ بخلافته، حيث تقول الحكمة الإيطالية التقليدية «من يدخل المجمع الكنسي كَبَابا، يخرج منه ككاردينال». وعلى الرغم من هذا الحذر، يطرح الخبراء والمحللون عدة أسماء يُتوقع أن تكون من أبرز المرشحين لخلافته في هذا المنصب الروحي الأعلى.
من بين الأسماء المطروحة لخلافة البابا فرنسيس، يبرز عدد من الكرادلة الذين تتنوع خلفياتهم ووجهات نظرهم الكنسية، لكنهم يشتركون في تبني أفكار أو توجهات قد تقودهم إلى المنصب البابوي.
يُعد جان مارك أفيلين، رئيس أساقفة مارسيليا، من أبرز المرشحين، إذ يُلقب في بعض الأوساط الكاثوليكية بـ «القديس يوحنا الرابع والعشرين»، في إشارة إلى شباهته بالبروجيك البابوي الراحل يوحنا الثالث والعشرين.
يحمل أفيلين، الذي وُلد في الجزائر لعائلة من المهاجرين الإسبان، رؤية شاملة تُركز على قضايا مثل الهجرة والعلاقات مع العالم الإسلامي.
عُرف بأدائه الفكري العميق، حيث يحمل شهادة دكتوراه في اللاهوت، ويُعد من أقرب الشخصيات إلى البابا فرنسيس من حيث الفكر والسياسة. في حال اُختير، سيصبح أول بابا فرنسي منذ القرن الرابع عشر.
في المقابل، يأتي الكاردينال بطرس إردو، رئيس أساقفة بودابست، كمرشح يحظى بدعم قوي من التيار المحافظ في الكنيسة.
وعلى الرغم من توجهاته المحافظة، فهو معروف بقدرته على بناء جسور مع تيار فرنسيس، مما يجعله مرشحًا توافقيًا.
يُعد إردو شخصية محورية في الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا وأفريقيا. وعلى الرغم من التحديات التي تواجهه، مثل مواقفه في أزمة اللاجئين، فإنه يُنظر إليه على أنه قادر على التعامل مع القضايا الكبرى التي تشغل الكنيسة.
واتخذ الكاردينال إردو موقفًا مخالفًا تجاه استقبال اللاجئين في 2015، معتبرًا أن ذلك «اتجار بالبشر»، لكن بعد تدخل البابا فرنسيس، عدل موقفه داعيًا لاندماج متوازن مع احترام القوانين.
أما الكاردينال ماريو جريتش، الأمين العام لسينودس الأساقفة، فيُعد من الشخصيات التي تحظى بتقدير كبير داخل الفاتيكان.
ارتقى جريتش في مناصبه الكنسية بفضل دعمه للإصلاحات التي بدأها البابا فرنسيس. وأُعجب البابا فرنسيس بكلماته عن ضرورة تحديث الكنيسة لتواكب تحديات العصر، وأصبح من الوجوه التي تجمع بين التوجهات الإصلاحية والقدرة على التوصل إلى إجماع بين مختلف فصائل الكنيسة.
يتصدر الكاردينال خوان خوسيه أوميا، رئيس أساقفة برشلونة، أيضًا قائمة المرشحين المحتملين، ويُعد من الشخصيات التي تتسم بتواضعها واهتمامها بالقضايا الاجتماعية.
ويعرف عن أوميا توجهاته اليسارية والاهتمام بقضايا الفقراء والمحرومين، مما يجعله شخصية قريبة من أفكار البابا فرنسيس.
عمل أوميا عن كثب مع الجمعيات الخيرية الإسبانية، وكان معروفًا بإيمانه بأهمية التغيير داخل الكنيسة لتواكب متغيرات العالم المعاصر.
وفي الدائرة الإيطالية، يُعد الكاردينال بيتر بارولين، سكرتير دولة الفاتيكان، من أبرز المرشحين.
بصفته دبلوماسيًا مخضرمًا، تمتع بارولين بسمعة قوية في التعامل مع القضايا العالمية الكبرى مثل علاقات الفاتيكان مع الصين وفيتنام. يقدّر البعض خبرته العميقة في إدارة شؤون الفاتيكان، ويعدونه شخصية توازن بين التيارات المختلفة داخل الكنيسة. في حال انتخابه، سيكون هذا عودة تاريخية لقيادة البابا من إيطاليا بعد ثلاثة باباوات غير إيطاليين.
يشتهر الكاردينال لويس أنطونيو جوكيم تاجل، رئيس أساقفة مانيلا، بلقب «الفرانسيس الآسيوي»، وذلك بسبب تماشيه مع توجهات البابا فرنسيس الاجتماعية.
تجارب تاجل العميقة في العمل الرعوي والإداري تجعله مرشحًا قويًا لتولي هذا المنصب، خصوصًا إذا نُظر إلى المنطقة الآسيوية كحاضنة للكنيسة الكاثوليكية. لكن قراراته الأخيرة في قيادة كارِّيتاس الدولية قد تثير بعض الجدل بشأن قدرته على تحمل ضغوط هذه المسؤولية.
وفي نوفمبر 2022، أقال البابا فرنسيس الكاردينال لويس أنطونيو تاجل من رئاسة كاريتاس الدولية، إلى جانب باقي أعضاء القيادة، وذلك بعد تحقيق مستقل كشف عن وجود قصور في الإدارة أثّر سلبًا على الروح المعنوية للفريق. لم يظهر التحقيق أي مخالفات مالية أو جنسية. ورغم ذلك، فإن هذا القرار أثار تساؤلات حول قدرة تاجل على تحمل ضغوط المسؤولية الإدارية، خاصةً في ظل طموحاته المحتملة في الوصول إلى منصب البابا.
على كل حال لا شك في أن البابا المقبل سيواجه تحديات معقدة، بدءًا من إدارة قضايا اللاجئين وصولاً إلى التعامل مع الصراعات الداخلية في الكنيسة الكاثوليكية. ورغم التباين في خلفيات المرشحين وتوجهاتهم الفكرية، يتضح أن الكنيسة بحاجة إلى قائد قادر على الجمع بين الحكمة الروحية والقدرة على التفاعل مع تحديات العصر.
