كم يأخذ العامل من سعر القميص الذي صنعه؟ بدون اتهامات بالشيوعية أو السجن في قوالب إ.. تبدو إجابة هذا السؤال لم تمر إطلاقًا على مفهوم العدالة في العالم كما حضّت عليها كل الأديان والمعتقدات.. ففي عالم تتدفق فيه الموضة بنفس سرعة لهاث الناس خلفها، من منصات التسوق الإلكتروني إلى سلاسل المتاجر الضخمة، والكثير من العلامات.. يظل القميص البسيط (تي شيرت) أحد أكثر السلع شيوعًا في الأسواق. لكن ما لا يظهر على رفوف البيع هو الخلل في توزيع الأرباح على طول سلسلة الإنتاج. تقرير حديث من حملة “الملابس النظيفة” يكشف حقيقة محرجة: العامل الذي صنع القميص لا يحصل حتى على 1٪ من ثمنه.
عندما تشتري قميصًا بـ29 يورو من متجر في أوروبا، فإن أكثر من نصف هذا المبلغ – نحو 17 يورو – يذهب مباشرة إلى قطاع التجزئة، الذي يشمل تكاليف الإيجار، الموظفين، الضرائب، والأرباح. بعد ذلك، تأخذ العلامة التجارية نحو 3.6 يورو كأرباح، فيما تُخصص 3.4 يورو للمواد الخام، و2.2 يورو للنقل، و1.2 يورو للوسطاء.
المفاجأة تأتي عندما نصل إلى العامل الذي صنع القميص، في مصنع ببنغلاديش على الأرجح، والذي ينال فقط 18 سنتًا. مبلغ لا يكفي لشراء زجاجة ماء في أوروبا، لكنه ثمرة ساعات من العمل في ظروف غالبًا ما تكون قاسية وغير آمنة.
يعكس هذا التوزيع صورة واضحة لاختلالات القوة في سوق الموضة العالمية. من جهة، تحتكر الشركات الكبرى حقوق التصميم والعلامة التجارية والتسويق، وتجني من خلالها أرباحًا ضخمة. ومن جهة أخرى، يُترك المنتج الفعلي – العامل – خارج دائرة العوائد العادلة. ويكاد المصنع، الذي يفترض أن يكون شريكًا صناعيًا، أن يشارك العامل في التهميش. إذ لا تزيد أرباحه عن 1.15 يورو من أصل 29. أي أن المصنع – وليس العامل فقط – يعاني من هوامش ربح ضيقة، مضطرًا في كثير من الأحيان لتقليص التكاليف على حساب أجور وظروف العمال.
هذا ليس فقط وضعًا ظالمًا، بل خلل اقتصادي غير مستدام. فعندما تُبنى الصناعة على الحد الأدنى من الأجور وعلى تقليص كرامة الإنسان لصالح أرباح المساهمين، فإنها تخلق نظامًا هشًا وغير مرن. أي هزة – جائحة، احتجاج، اضطراب سياسي – كفيلة بإرباك سلاسل التوريد المعتمدة على “الحد الأدنى الممكن”.
العدالة في الأجور تبدأ من الشفافية. على العلامات التجارية الكبرى أن تكون مستعدة لكشف هوامش أرباحها وأين تذهب الأموال. المطلوب ليس فقط تحسين أجور العمال، بل إعادة توزيع القيمة بشكل يعكس الجهد الحقيقي لكل طرف في سلسلة الإنتاج. (يبدو كلامًا ماركسيًا جدًا.. ولكنه معني بالعدالة بمفهومها الموضوعي)
كذلك تقع مسؤولية أخلاقية على المستهلكين من خلال طرح الأسئلة: من صنع هذا؟ كم حصل؟ ولماذا تُباع القطعة بهذا السعر؟