يطل فيلم “فلسطين 36” في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي ليضع القضية الفلسطينية مجددًا في صدارة النقاش السينمائي العالمي، بعد عقود من التغييب. هذا العمل المدعوم من صندوق البحر الأحمر السينمائي لا يقتصر على كونه فيلمًا تاريخيًا، بل يمثل محاولة فنية لاستعادة السردية العربية في مواجهة صناعة لطالما تحكمت في تحديد ما يظهر على الشاشة وما يُخفى في طيات النسيان.
فالسينما، رغم أنها انعكاس لمعاناة البشر وتجاربهم، لم تكن دائمًا أداة محايدة أو متاحة للجميع. إذ تحولت إلى مساحة تحتكرها شركات الإنتاج الكبرى، تقرر من خلالها القضايا التي تحظى بفرصة العرض، مقابل أخرى تُدفن بعيدًا عن الأضواء. ومن بين ما عانَى من هذا التهميش، القضايا العربية التي ظلت لسنوات طويلة خارج دائرة الاهتمام العالمي، رغم ثقلها الإنساني والدرامي.
خلال الحرب العالمية الثانية، تحولت السينما إلى منبر مؤثر لتكريس رواية بعينها، حيث تصدرت قضية اليهود والهولوكوست واجهة الإنتاج الغربي. هذا الزخم لم يكن وليد المصادفة، بل ارتبط مباشرة بجذور هوليوود التي أسسها مهاجرون يهود من أوروبا الشرقية، فجعلوا من شاشتها وسيلة لعرض معاناة محددة وتجاهل أخرى. وهكذا، تشكّلت معادلة واضحة وهي تضخيم مآسٍ بعينها مقابل تغييب المأساة الفلسطينية والعربية.
وجاءت من هنا أهمية فيلم “فلسطين 36″، الذي يوثق بداية القضية الفلسطينية منذ الانتداب البريطاني وما تبعه من سياسات مصادرة وتهجير، وصولًا إلى نكبات متتالية اقتُلعت فيها الأرض والهوية. وما يمنح الفيلم قوة إضافية أنه يُعرض في وقت تتجدد فيه صور المأساة في غزة، لتتداخل الذاكرة التاريخية مع الراهن، وتُذكّر بأن معاناة الفلسطينيين لم تنتهِ، بل تتواصل بأشكال جديدة. واعادت تلك اللحظة الفارقة التأكيد على أن السينما ليست ترفًا ثقافيًا، بل سلاحًا ناعمًا قادرًا على مقاومة محاولات الطمس، وصوتًا يتجاوز حدود الرقابة والدبابات.
يقول الناقد الفني يحيى زريقان إن “فلسطين 36” يندرج ضمن رؤية سعودية أشمل تهدف إلى دعم القضية الفلسطينية من خلال الفنون. مؤكدًا أن المملكة تستثمر اليوم في “القوة الناعمة” لإيصال صوت الشعوب، معتبرًا أن ردود الفعل التي رافقت عرض الفيلم في الدورة الـ81 من مهرجان تورنتو تعكس نجاح هذه المقاربة. وأشار زريقان في حديثه لبرنامج “هنا الرياض” المُذاع على قناة الإخبارية إلى أن السعودية، عبر دعمها لهذا العمل، نجحت في دفع النقاش الدولي نحو فلسطين وإعادة طرح خيار حل الدولتين، بعدما ظل حضور القضايا العربية في المهرجانات الكبرى محدودًا لسنوات.
وبينما لم تحظَ الأعمال السابقة التي تناولت فلسطين بالزخم نفسه، يرى زريقان أن توقيت “فلسطين 36” كان حاسمًا، إذ ترافق مع مشهد سياسي وإنساني ملتهب جعل الجمهور العالمي أكثر استعدادًا للتفاعل مع رسالته. كما أن الدعم السعودي وفر للفيلم منصة دولية مؤثرة مكّنته من تجاوز العزلة، ليصبح نموذجًا على قدرة السينما العربية على كسر الحواجز وتثبيت مكانتها عالميًا.
يروي الفيلم قصص شخصيات تبحث عن مكانها وسط تحولات سياسية واجتماعية كبرى، من قرويين يحاولون التكيف مع التغيير، إلى عمّال يتجهون نحو التمرد في مواجهة الاحتلال البريطاني. ويمزج العمل بين مشاهد أرشيفية نادرة وسرد درامي متقن، ليقدم صورة نابضة عن القدس ومحيطها في لحظة تاريخية حاسمة، حيث تتقاطع آثار انهيار الإمبراطورية العثمانية مع موجات الهجرة اليهودية وسياسات بريطانيا الاستعمارية.
الفيلم من إخراج وتأليف آن ماري جاسر، ويشارك في بطولته نخبة من النجوم العرب والعالميين منهم: كامل الباشا، صالح بكري، ياسمين المصري، هيام عباس، جيرمي آيرونز، وظافر العابدين.
اقرأ أيضًا:
نادين أيوب.. أول فلسطينية تشارك في مسابقة ملكة جمال الكون
“جواهر” الفلسطينية تواجه الغارات الإسرائيلية بالعزف والغناء
من هي الفنانة الفلسطينية “ميساء عبد الهادي” التي اعتقلتها إسرائيل؟