حين ترى منحوتاتها الفريدة في الحجر الرملي، ستتذكر منطقة الحِجر في العلا، ومدائن صالح، والبتراء في الأردن، لكن ماذا لو عرفت أنها إحدى محطات النبي موسى عليه السلام في قصته الأكثر تناولاً في القرآن الكريم؟
لقد هرع النبي إليها من مصر، وعاش في هذه المغاير رفقة النبي شعيب الذي أُعجب بشهامته، ليعرض عليه أن يتزوج ابنته، فوافق النبي موسى على العرض وتزوجها قبل عودته إلى مصر.
الآن عرفت سر تسميتها بـ”مغاير شعيب”، وهي إذ تستقر في وسط الصحراء ذات الرمال الحمراء في غرب تبوك، تبقى أثرًا مهمًا في خريطة المملكة السياحية.
هندسة مبكرة
مغاير شعيب أو “مدين” أو “مدائن شعيب”.. كلها مُسمياتٌ لنفس المنطقة التاريخية، كما يُطلق عليها “البدع” أيضًا لبديع بناء بيوتها، الواقعة في تبوك شمال غربي السعودية، تحديدًا على بعد 225 كلم شمال غربي المنطقة.
تتكون من كهوف منحوتة داخل الجبال، وتدل عن حضارة قديمة لآلاف السنين، بالطريقة الهندسية المميزة المشيدة بها، إذ نُحتت البيوت بطريقة عكسية لتمنع دخول الأمطار داخل الغرف من ناحية سفوح الجبال المائلة، مع البناء في منطقة مرتفعة لتجنب السيول.
آياتٌ تشهد
وردت قصة مدين في القرآن الكريم في سور عديدة، منها: سورة هود، وسورة الأعراف، وسورة الشعراء.. وغيرهم، كما ورد أن قبيلة مدين هم أصحاب الأيكة أيضاً، وقال المفسرون إن الأيكة التي وردت في قوله تعالى : { كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ } هي شجرة كبيرة حولها غيضة أي أشجار كثيرة ملتفة تشكل ظلالاً وارفة، والماء يجري تحتها.
النبي شعيب عربي الأصل، ذكر التنزيل الحكيم قصته { وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } الأعراف85
وتكمل الآيات القصة {وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ , فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ , الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ الْخَاسِرِينَ , فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ } الأعراف90-93 .
أوصاف باهرة
وصف الباحث والإعلامي الراحل حمد الجاسر، مغاير شعيب، بقولة “هي عبارة عن واحة قديمة بعث الله فيها نبيه شعيب إلى قومه مدين، وإن البدع تقع في أرض مدين وإن اسم الأيكة لا يزال يطلق على واد النمير رافد وادي عفال” ويكمل رحمه الله قوله “ومن أبرز المعالم الأثرية فيها الواجهات النبطية بالمغاير حيث كتبت عليها الكثير من النقوش اللحيانية والنبطية كما يوجد بها موقع لمدينة قديمة من الفترة الإسلامية المبكرة تعرف باسم ( الملقطة ).
أما الرحالة والمستشرق الإنجليزي هاري سنت جون فيلبي فيقول بعد زيارته للمغاير عام 1953 «بالإضافة إلى عظمتها فإن المرء يجد لها طابعاً مميزاً وهي الصخور التي حفر فيها معظم هذه الآثار». ويقول في مقطع لاحق: «وأحسن ما يمكن أن توصف به قولنا إنها صخور رملية متآكلة، تحوي على مواد جيرية صلدة وثابتة اللون، وإنه ليبدو مذهلاً أن هذه الصخور رغم تقلب عوامل الجو كالرياح والمطر والشمس عليها آلاف السنين فقد قاومتها وجعلتها عاجزة عن محو فن المعمار النبطي والهندسة المعمارية»
ويقول اليعقوبي في وصفها: مدين مدينة قديمة عامرة بها العيون الكثيرة والأنهار المطردة العذبة والأجنة والبساتين والنخل وأهلها أخلاط من الناس.
بعد اقتحام مستوطنين الأقصى من أجله.. ما هو الهيكل المزعوم؟