مع تطور العصور، وبعد القضاء على العبودية، جرمت القوانين والمعاهدات الدولية الاتجار بالبشر، ولكن هذه القوانين والمعاهدات لم تستطع القضاء على هذه الظاهرة بشكل كامل خاصة بسبب التطور التقني.
اليوم 30 يوليو هو اليوم الذي حددته الأمم المتحدة، من كل عام لتعزيز الجهود العالمية لمكافحة الاتجار بالبشر، وانطلاقاً من هذه المناسبة نستعرض لكم جانب من الجوانب الهامة التي طرحتها المنظمة العامة للأمم المتحدة حول هذا الأمر، وهو دور التكنولوجيا الحديثة في الاتجار بالبشر، وكيف يستغل بعض معدومي الضمير التقنيات الحديثة للقيام بممارسات مخالفة تجاه البشر، والتي تندرج تحت بند الاتجار بالبشر.
عروض وهمية واعتداءات جنسية
المتاجرين بالبشر الذين يخدعون الأشخاص بعروض عمل ووعود مزيفة ثم يستغلونهم من أجل الربح، مستعينين بتقنيات الإنترنت في كل خطوة من أنشطتهم الإجرامية.
يُظهر البحث الذي أجراه مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) حول كيفية كيف استهداف الضحايا وتجنيدهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومنصات المواعدة عبر الإنترنت حيث تتوفر المعلومات الشخصية وتفاصيل مواقع الأشخاص بسهولة.
يحدث الاعتداء الجنسي وأشكال الاستغلال الأخرى بشكل افتراضي، كما يتم بيع الصور ومقاطع الفيديو على منصات مختلفة للعملاء في جميع أنحاء العالم، مما يؤدي إلى المزيد من الأموال للمتاجرين بالبشر دون أي تكلفة إضافية.
ففي أكتوبر 2021، التقى خبراء من حوالي 100 دولة عبر الإنترنت لمناقشة استراتيجيات مكافحة هذه الظاهرة والاستفادة المثلى من التكنولوجيا لمنع الاتجار بالبشر والتحقيق في هذه الجرائم.
وتركزت المناقشة حول ورقة معلومات أساسية متعمقة والتي تتعلق بهذا الموضوع أعدها قسم الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين التابع لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.
ومن جانبها أوضحت تيفاني كريتين، مسؤولة منع الجريمة والعدالة الجنائية في مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، أن “المتاجرين بالبشر يسارعون إلى تكييف نموذج أعمالهم ليناسب احتياجاتهم وزيادة أرباحهم، لذا فهم بالطبع يتبعون اتجاهات الإنترنت”.
وواصلت “كريتين”: “يستخدم المتاجرين حاليًا التكنولوجيا لتحديد هوية ضحاياهم وتجنيدهم والسيطرة عليهم واستغلالهم بالإضافة إلى استخدام الإنترنت ، وخاصة شبكة الويب المظلمة ، لإخفاء المواد غير القانونية الناتجة عن الاتجار وهوياتهم الحقيقية عن المحققين.”
الدور الخفي للعملات المشفرة
وأضافت “كريتين” العائدات غير المشروعة من هذه الجرائم المربحة يتم غسلها عبر الإنترنت من خلال العملات المشفرة، مما يسهل على المتاجرين استلام وإخفاء ونقل مبالغ كبيرة من الأموال مع تقليل مخاطر اكتشافها.
اليوم ، يوفر الإنترنت وصولاً سهلاً لمجموعة أكبر بكثير من الضحايا المحتملين لأن القيود المادية والجغرافية التقليدية لم تعد موجودة.
ينشئ المتاجرين مواقع ويب مزيفة أو ينشرون إعلانات على بوابات التوظيف المشروعة ومواقع الشبكات الاجتماعية.
تتميز بعض هذه المواقع بخيار الدردشة الحية، وهذا يمنح المُتجِر اتصالاً فوريًا وفرصة للحصول على معلومات شخصية، مثل تفاصيل جواز السفر، مما يعزز سلطته على الضحايا المستهدفين.
يمكن استغلال الضحايا بشكل متكرر من خلال البث المباشر على مواقع ويب متعددة، ولا يوجد حد لعدد مرات مشاهدة مقاطع الفيديو الخاصة بإساءة معاملتهم وعدد الأشخاص.
صعوبة الملاحقة
وأوضحت “كريتين” أن الطبيعة العالمية للاتجار بالبشر وإساءة استخدام التكنولوجيا تجعل الأمر أكثر صعوبة على سلطات إنفاذ القانون للتصدي لهذه الجريمة، قائلة: “عندما يتم التخطيط لجريمة في بلد ما ، مع ضحايا في بلد آخر، وعميل في بلد ثالث ، تواجه سلطات إنفاذ القانون تحديات عملية مثل العثور على الأدلة وتأمينها، لأن أي تحقيق يتطلب التعاون عبر الحدود ومستوى معينًا من “الخبرة”.
يستخدم المهربون التكنولوجيا للسيطرة على ضحاياهم عن بعد ، وأحيانًا دون أن يقابلوهم شخصيًا، حيث يمكن استخدام تطبيقات تتبع الموقع واستخدام أنظمة تحديد المواقع العالمية في الهواتف المحمولة لمعرفة موقع الضحية، بينما تمكّن الكاميرات في الهواتف الذكية المستخدمة أثناء مكالمات الفيديو المتاجرين بالبشر من رؤية ضحاياهم ومحيطهم.
كما يحتفظ المُتجِرون بالسيطرة على ضحاياهم من خلال التهديد بنشر صور أو مقاطع فيديو حميمة لهم للعائلات والأصدقاء إذا لم يمتثلوا لمطالبهم.
ومن جانبها سلطت ألكسندرا جيلبر ، إحدى أعضاء فريق المناقشة في الفريق العمل، الضوء على الروابط بين الاتجار والتكنولوجيا عبر الإنترنت، قائلة :”تُظهر البيانات أنه في الولايات المتحدة يتم تجنيد ما يقرب من 40٪ من ضحايا الاتجار بالجنس عبر الإنترنت ، مما يجعل الإنترنت أكثر الأماكن شيوعًا حيث يتم تجنيد الضحايا”.
وتابعت :”لأكثر من عقد من الزمان ، كان الإعلان عبر الإنترنت هو التكتيك الرئيسي الذي يستخدمه المتاجرين بالبشر لجذب المشترين لممارسة الجنس التجاري ففي عام 2020 ، اشتمل أكثر من 80٪ من محاكمات الاتجار بالجنس بوزارة العدل الأمريكية على الإعلانات عبر الإنترنت “.
جرائم بحق الأطفال
وأضافت “جيلبر” أن التكنولوجيا تُستخدم أيضًا لارتكاب “الاتجار الافتراضي بجنس الأطفال” والذي يحدث عندما يرسل الجاني في الولايات المتحدة دفعة رقمية إلى تاجر في بلد آخر، بالتالي سيقوم المُتجِر بعد ذلك بالاعتداء الجنسي على طفل أمام كاميرا الويب ، بينما يشاهد الجاني في الولايات المتحدة بثًا مباشرًا.
أتاحت جائحة COVID-19 مزيدًا من الفرص للمتاجرين بالبشر بسبب زيادة استخدام الإنترنت، ولا سيما الشبكات الاجتماعية ومواقع ألعاب الفيديو عبر الإنترنت.
وعلى الرغم من الاستخدامات الإجرامية المتزايدة للتكنولوجيا من قبل المتاجرين بالبشر ، يمكن أيضًا استخدام التكنولوجيا لتحديد الضحايا ودعم التحقيقات والملاحقات القضائية التي تقوم بها الشرطة.
“ومع ذلك، عندما يدخل المحققون العالم الرقمي للمواطنين، يكون لديهم إمكانية الوصول إلى المعلومات الشخصية.
وتقول “كريتين” من مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة: “من المهم وجود أطر عمل صارمة حول هذا الوصول إلى البيانات واستخدامها للتأكد من احترام الحق في الخصوصية وحقوق الإنسان”.
الجهود التقنية
تعرض ورقة المعلومات الأساسية الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة أمثلة عديدة على الشراكات والأدوات القائمة أو الواعدة التي تستخدمها البلدان أو تطورها في هذا الشأن، حيث تشمل هذه الأدوات الطب الشرعي الرقمي وأدوات مسح البيانات وتطبيقات الهواتف الذكية والتعاون الناجح مع التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي وشركات الإنترنت.
كما شارك مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في تنظيم “DataJams” مع شركة IBM والمنظمة الكولومبية غير الحكومية Pasos Libres حيث يتنافس الطلاب عبر الإنترنت لتطوير حلول قائمة على التكنولوجيا لتحديد ضحايا الاتجار وحمايتهم ودعم الملاحقات القضائية.
اليوم العالمي لمكافحة المخدرات.. أرقام وإحصائيات مخيفة عن التعاطي
في اليوم العالمي للبهاق.. ماذا نعرف عنه وهل يمكن علاجه؟
في اليوم العالمي للشوكولاتة.. كيف حولها النازيون إلى سلاح قاتل؟