في عام 1969، خاضت السلفادور وهندوراس صراعًا استمر أربعة أيام أودى بحياة الآلاف وشرد الآلاف، وهو صراع دموي لا يزال يُذكر باسم حرب كرة القدم.
ما الذي حدث؟
كانت “أميليا بولانوس”، البالغة من العمر ثمانية عشر عامًا تجلس أمام التلفزيون في السلفادور عندما سجل المهاجم الهندوراسي “روبرتو كاردونا”، هدف الفوز في الدقيقة الأخيرة، نهضت وركضت إلى المكتب الذي كان يحتوي على مسدس والدها في الدرج وأخذته ثم أطلقت النار على نفسها”.
يكشف كتاب “حرب كرة القدم” للصحفي البولندي، “ريزارد كابوشينسكي”، آثار التنافس العاطفي بين الجارتين في أمريكا الوسطى، حيث واجهتا بعضهما البعض في التصفيات المؤهلة لكأس العالم 1970، السلفادور هي الأصغر بكثير، وفي عام 1969 كان عدد سكان هندوراس ضعف عدد سكانها تقريبًا، وهاجر ما يصل إلى 350 ألف سلفادوري بشكل غير قانوني إلى هندوراس بحثًا عن حياة أفضل.
ولكن في الستينيات من القرن الماضي، بدأت حكومة هندوراس في اتخاذ إجراءات صارمة ضد المهاجرين السلفادوريين، وألقت باللوم عليهم في تدهور الوضع الاقتصادي والسياسي في البلاد، فضلاً عن الاستيلاء على الأراضي وإعادة توزيعها.
مع تصاعد التوترات بين الحكومتين، اجتمع الفريقان ذهابًا وإيابًا في مرحلة التصفيات المؤهلة لكأس العالم بعد تصدر كل منهما لمجموعته، المباراة الأولى كانت في مطلع يونيو 1969 في تيغوسيغالبا، عاصمة هندوراس، وهي المباراة التي حسمتها هندوراس 1-0 ، بهدف في الدقيقة الأخيرة، وهو الهدف الذي تسبب في انتحار الشابة “أميليا بولانوس”.
التصعيد للانتقام
استقبلت السلفادور الخسارة بشكل جنوني، وبدأت التصعيد، حيث كتبت صحيفة “إل ناسيونال”: “الفتاة الصغيرة لم تستطع تحمل رؤية وطنها وهو يجثو على ركبتيه”، كما تم بث جنازتها مباشرة على الهواء بحضور الرئيس ووزرائه، جنبًا إلى جنب مع فريق السلفادور لكرة القدم، وهو ما عزز من مشاعر الاحتقن تجاه الهندوراس وأصبحت مباراة العودة بالنسبة لشعب سلفادور مسألة حياة أو موت.
وبعد أسبوع، في سان سلفادور، تعرضت البعثة الخاصة بمنتخب “الهندوراس” للعديد من المضايقات مثل الاحتشاد أمام الفندق وتحطيم النوافذ وإلقاء البيض الفاسد والجرذان النافقة.
كان لا بد من اصطحاب الفريق إلى الاستاد في سيارات مصفحة، محميًا من حشد معادٍ اصطف على طول الطريق حاملاً صوراً لـ” بولانوس” للشابة التي انتحرت بسبب الهزيمة، وشهدت الساعات القليلة التي سبقت المباراة أعمال شغب أدت لمقتل ثلاثة مشجعين.
اضطر الجيش السلفادوري لتطويق الاستاد مع مجموعة من الجنود المسلحين على جانب الملعب، وانتهت المباراة التي شهدت حرق العلم الهندوراسي فوز السلفادور بثلاثة أهداف مقابل لا شيء، وهي النتيجة التي أشعرت الهندوراسيون بالارتياح ، حيث أشار مدربهم وقتها إلى أنهم محظوظون لأنهم خسروا وإلا ربما لم ينجوا بحياتهم.
اندلاع الحرب
واستمرت أعمال الشغب في أعقاب المباراة وانتهى الأمر بالعشرات في المستشفى، وفقد اثنان حياتهما، قبل أن يتم غلق الحدود بين الجارتين.
فوز السفادور لم ينهي الأمر، لأن بطاقة الصعود للمونديال لم تحسم بعد، خاصة مع عدم تطبيق قاعدة فارق الأهداف لحسم التاهل مما يعني ضرورة لعب مباراة ثالثة فاصلة على أرض محايدة.
وبالفعل تم تحديد في 26 يونيو عام 1969 للعب المباراة في “مكسيكو سيتي”، في المكسيك باعتبارها أرضًا محايدة لحسم التاهل، وهي المباراة التي فازت بها السلفادور على الهندوراس بنتيجة 3-2 بعد وقت إضافي.
هذه النتيجة لم تخمد النار بين البلدين، واستمرت أعمال الشغب والعنف بين الجارتين، انتهت بغزو قوات السلفادور لهندوراس، في حرب شهدت استخدام الطائرات للقصف الجوي، حيث بدأت السلفادور في 14 يوليو باستخدام الطائرات المدنية وتزويدها بالقنابل لقصف الهندوراس، مما دفع الأخيرة للرد بضربات جوية مضادة، ومن المفارقات قيام الهندوراس باعتقال السلفادوريين الذين يعيشون في البلاد في ملاعب كرة القدم.
واستمرت “حرب كرة القدم” لفترة وجيزة، حوالي 100 ساعة فقط، ولكنها كانت دموية، وراح ضحيتها ما لا يقل عن 2000 شخص، وتركت مئات الآلاف من الأشخاص بلا مأوى.
تكتيكات الخداع العسكرية الأكثر براعة عبر التاريخ