يقول المثل الانجليزي “يهزأ بالندوب ذاك الذي لم يُكلَم يوما”، أي إن هناك أشخاص لا يشعرون بمعاناة الآخرين الذين واجهوا الأذى الداهم للبدن، بل إن البعض يتطرف ليصل إلى مرحلة قتل الضعفاء بغية جعل المجتمع أفضل من وجهة نظرهم، وهذا ما حدث مع جرحى الاتحاد السوفيتي في الحرب العالمية الثانية ممن تعرضوا لإعاقات دائمة، حيث واجهوا معاملة سيئة جعلتهم أشبه بالمنبوذين داخل المجتمع السوفيتي.
وعلى الرغم من احتفاء أغلب الدول بجنودها الذين تعرضوا لإعاقات جسدية دفاعاً عن الوطن، إلا أن بعض السوفييت قد حادوا عن هذه القاعدة بمعاملتهم القاسية ضد هذه الفئة لدرجة نفيهم وإجبارهم على عدم الظهور في الشوارع، فضلا عن ممارسات تمييزية أخرى على النحو التالي:
حقبة العشرينيات
كان المعوقون والعاجزون الروس يحظون بالرعاية من قبل الامبراطورة ماريا فيودوروفنا، زوجة الامبراطور بول الأول، حيث وفرت لهم داراً خاصة بهم تراعي احتياجاتهم. وبعد وفاة ماريا، عام 1828م، اتسعت بصمتها الإنسانية لتشمل إدارة دور اليتامى والمراكز المخصصة لفاقدي السمع والبصر والجنود السابقين الذين أصبحوا عاجزين عقب تعرضهم لإصابات حدّت من تحركاتهم.
ولكن نظام الرعاية الامبراطورية للمعاقين، قد توقف عقب اندلاع الثورة البلشفية، بعدم وصف زعيمها فلاديمير لينين، الصدقات والتبرعات والمساعدات الإنسانية ببقايا النظام القيصري، رافضاً فكرة حصول الدولة على التبرعات من الأثرياء، كما أنشأ مفوضية الشعب للشؤون الاجتماعية التي وفرت معونات للمحتاجين.
وخصص الاتحاد السوفيتي، المساعدات إلى جرحى جيوشه خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، لكنه تجاهل في الوقت ذاته معاناة المعوقين المدنيين الذين تركهم دون معونة، ما اضطرهم لتحمل أقسى الظروف.
لكن نظرة الزعيم لينين، الاشتراكية تجاه الضعفاء تزامنت مع نهاية الحرب الأهلية الروسية، حين امتلأت شوارع البلاد، بالمعاقين واليتامى والمتشردين، الذين امتهنوا التسول بحثا عن قوت يومهم، ما دفع السلطات السوفيتية لجمعهم ونقلهم إلى مراكز مُهيأة بشكل سيئ، جاء بناؤها سريعًا داخل مناطق نائية من البلاد.
وبلغت معاناة مصابي الحروب ذروتها أثناء فترة التطهير الكبير الستاليني، حيث تعرضوا للملاحقات الأمنية والإعدامات. وقد جرى عام 1937م، إعدام 34 من المصابين بالصمم على يد المسؤول الأمني السوفيتي ليونيد زاكوفسكي، في لينينغراد. وفي فبراير من العام التالي 1938م، جرى قتل نحو 140 من المصابين بالعمى وأمراض القلب بمشفى سجن موسكو.
معاقو الحرب العالمية
خرج الاتحاد السوفيتي من الحرب العالمية الثانية بأعداد كبيرة من الجرحى والمصابين بإعاقات دائمة الذين ملأوا الشوارع، ورغم ذلك لم يقدر الاتحاد على توفير أعداد كافية من الكراسي المُتحركة لجرحى الحرب، مما ضاعف من معاناتهم وآلامهم.
وجنح السوفييت، إلى التخلص من المعوقين ضحايا الحرب العالمية الثانية، فاتجه خلال فترة الخمسينيات لإقصائهم من المجتمع عن طريق نقلهم نحو مراكز إيواء، افتقرت لأبسط مقومات الحياة، بمناطق نائية من البلاد كان أهمها بجزيرة فالام، أما المعاقين الذين فضّلوا البقاء مع عائلاتهم، فطلب منهم الالتزام بعدم مغادرة منازلهم.
وبحلول ثمانينات القرن الماضي، بدأ المعاقون يسترجعون وضعهم في المجتمع، اتجهت ظروف هذه الفئة للتحسن، حيث رعتهم الدولة الروسية، وأصبحوا من عام 1988م، يشاركون في البطولات الرياضية.
في ذكرى انهياره .. أسباب تفكك الاتحاد السوفيتي