وصل الصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي إلى ذروته خلال الحرب الباردة، وانقسمت بلاد العالم بين الغرب والشرق، وأدت الاضطرابات إلى مقتل الملايين في أوائل الخمسينيات، ما وضع البلدين وحلفاءهما على أعتاب حرب نووية.
في الوقت نفسه، واجه الأمريكيون عدوًّا أقرب إليهم من الاتحاد السوفييتي بكثير، وهو شلل الأطفال، الذي انتشر بين الأطفال والشباب بسبب عدوى تنتقل عن طريق الاتصال بالبراز، ورغم أنه مرض غير حديث فإن السيطرة عليه وقتها لم تكن سهلة.
الفيروس في أمريكا
أغلقت السلطات حمامات السباحة ودور السينما وأماكن التجمعات الشعبية الأخرى، على أمل احتواء المرض، الذي يهاجم الجهاز العصبي المركزي، وكثيرًا ما أصاب ضحاياه بالشلل.
خلال شتاء الحرب الباردة، شكَّل عالمان غير عاديين، أحدهما أمريكي والآخر روسي، تحالفًا قويًا، أدى إلى أحد أعظم الإنجازات الطبية في القرن العشرين، وأنقذ أرواحًا لا تحصى حول العالم.
بحلول أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، كان البحث عن لقاح شلل الأطفال قد انتقل إلى مستوى عالٍ في الولايات المتحدة، وبعد عدة اختبارات أجراها عالم الفيروسات الأمريكي جوناس سالك، والباحث الطبي الأمريكي ألبرت سابين، حصل البشر على لقاح فعال ضد شلل الأطفال وبموافقة الحكومة الأمريكية، وقد رفض العالمان الحصول على أي عوائد مالية مقابل براءة اختراع اللقاح.
العدوى في روسيا
وفي الوقت نفسه كان معدل الإصابة بهذا المرض في الاتحاد السوفييتي يرتفع بشدة لعدة سنوات، فبدأوا البحث خارج الحدود للحصول على المساعدة، وأنشأوا معهد مقاومة شلل الأطفال، وكان مؤسسه عالم المكروبيولوجيا السوفيتي الشهير ميخائيل تشوماخوف.
تبادل الزيارات
سافر تشوماخوف، رفقة العالمة مارينا فوروشيلوفا، والمكروبيولوجي أناتولي سمورودينتسيف، إلى الولايات المتحدة للتشاور مع العلماء الأمريكيين، ومعرفة طرق تعاملهم مع الفيروس، بمن فيهم مخترعا اللقاح: جوناس سالك وألبرت سابين، فتوصلوا إلى اتفاق لإنقاذ حياة الملايين.
سافر “سابين” إلى روسيا، وعلى مدار عدة أسابيع التقى بعدة باحثين وعلماء، وعند عودته كان قد ساهم في تقدم الأبحاث السوفييتية وتوفير اللقاح، من خلال مطالبته المسؤولين الأمريكيين بإرسال عدد من السلالات المضعّفة من فيروس شلل الأطفال للمختبرات الروسية.
تمكن العلماء السوفييت من توفير اللقاح بعد مباشرة الأبحاث، ولتسهيل عملية تقديمه للأطفال، ابتكر تشوماخوف لقاحًا فمويًا على شكل حبة حلوى، بدلاً من الحقنة.
اختبر العالم تشوماكوف اللقاح الفموي على 10 ملايين طفل في جميع أنحاء الاتحاد السوفييتي، وأقام السوفييت مراكز تطعيم، ليس فقط في المستشفيات والعيادات، بل في المدارس ودور الحضانة وغيرها من المواقع غير الطبية.
وخلال أشهر قليلة، تلقى اللقاحَ كلُّ من تقل أعمارهم عن 20 عامًا، منهم ما يقرب من 100 مليون شخص في الاتحاد السوفييتي، وذلك إما عن طريق قطّارة دواء، أو داخل قطعة حلوى، ما ساهم في تقليل حالات الشلل بشكل كبير في البلدين.
ما الذي تريده روسيا من أوكرانيا.. وهل الحرب على الأبواب؟