ثقافة

حي أم سليم.. شاهد على التحولات الاجتماعية والاقتصادية في الرياض

حي أم سليم في الرياض

يقع في قلب مدينة الرياض حارة قديمة شهيرة اسمها حي أم سليم، يقال إنها سميت بذلك نسبةً إلى شجر السَّلَم، ولكنه اكتسب شهرته من شهرة أحد القصور الطينية المعدة للإيجار بالليلة لإقامة مناسبات الزواج غالبًا.

منطلق أهمية حي أم سليم

سّلط عبدالرحمن الشقير في كتابه “الذاكرة الشعبية: تاريخ الإنسان العادي في الحياة اليومية في المجتمع السعودي”؛ لبيان كيف ساهم في التحول والحراك الاجتماعي والاقتصادي بالرياض.

يحكي الكاتب أنه مع انفتاح مدينة الرياض بعد هدم سورها معلنة بذلك دخول عصر الحداثة وبداية نهاية العصر التقليدي كان حي أم سليم يقوم بدور المرحلة الانتقالية، إذ شهد تضخما في استقبال الأسر القادمة من الأرياف إلى المدينة، ويسكنون مؤقتًا لعدة سنوات، ثم يغادرونها إلى السكن في أحياء أخرى داخل الرياض ليأتي غيرهم.

كان أهل القرى والمدن يأتون بطبيعتهم المحافظة على التقاليد والمتدينة، ولكنها كانت مطعمة بأشخاص تعرضوا لتجربة العمل في “أرامكو” وسكنوا بالحي.

حي أم سليم يغيّر السمات الاجتماعية للمدينة

شهد حي أم سليم تحولات متمثلة في شراء تلفزيون ولبس بدلة والأكل بالشوكة والملعقة، وهي الأمور التي كانت مستنكرة وغريبة على عادات المجتمع.

شبّه الكاتب التعامل المجتمعي مع هذه التغيرات بما حدث مؤخرًا عندما صار الشاب السعودي يلبس أزياء حديثة ويشرب قهوته من “ستاربكس” ويأكل من “ماكدونالد”، ويستمع إلى الأغاني الغربية؛ فقد قوبلت باستهجان، ثم تغاض ثم تقبل.

وفقًا للكاتب، كان الناس يقضون لياليهم داخل حي أم سليم في لقاءات دورية يومية بين جماعة القرابة أو جماعة الحي أو جماعة المسجد، وهي جماعات صغيرة العدد يجمع رابط قوي كالحيز الجغرافي أو القرابية.

يتضمن المجلس الواحد، إما جلسة موحدة بأحاديث يتداولها الجميع ويناقشونها أو ربما يوجد جلسة رباعية أحد زوايا المجلس للعب “البلوت” وقد كانت لعبة الورق الجاذبة إلى الشباب وكبار السن، في حين ينشغل البقية في مشاهدة التلفاز، إن وجد، أو تبادل الأحاديث العامة إلى حين تحضير وجبة العشاء، التي غالبًا ما تنتهي الأمسية بعدها.

شاهد على الحداثة

يعد حي أم سليم شاهد عيان على الموجات العمرانية أيضًا بدءًا من البيوت الطينية التي أساسها من حجارة مكشوفة، ثم بداية عصر العمرانية، من خلال تجصيص البيوت الطينية وإضافة شرفات إلى الأبواب، ثم تركيب مكيفات صحراوية في فتحات النوافذ.

لم تستطع كل هذه التطورات الحداثية أن تزيل فكرة التقارب الحميمي للمساكن، فما تزال البيوت متلاصقة والشوارع ضيقة؛ ما أسهم في نشوء ألفة وحميمية والشعور بالأمان بين الجيران.

وفي مجال الخدمات الأساسية يوجد قليب وجمعها قلبان، وهي بئر الماء المشاعة وليس لها مالك في أرض فضاء يروي منها أهل الحي الماء، كما أن ظاهرة القلبان في حارات الرياض القديمة من أهم الظواهر العمرانية التي اندثرت في زمن مبكر بعد دخول المياه عبر شبكة أنابيب وتوصيلها إلى المنازل.

بعد ذلك، دخلت أحياء الرياض مجموعة من وسائل الاتصال مثل دخول الهاتف الأرضي، ووسائل التواصل الحديثة مثل الكهرباء عبر شبكة من الأسلاك المثبتة في أعلى المنازل المتلاصقة، ثم سفلتة الشوارع مع زيادة عدد السيارات، ودخول البث التلفزيوني والإذاعي، كما زاد استيراد السلع والأغذية المعلبة والمشروبات الغازية وتنوعها ما سهل حياة الناس ووسع من علاقاتهم ومجالات أعمالهم، فكانت بداية حقيقية للتحول في منظومة القيم الاجتماعية والاقتصادية.

ودخل الحي بعد ذلك في موجة التحديث الكبرى المعروفة بالطفرة وثمنت الدولة منازل كثيرة وأزالتها بهدف توسيع الشوارع الضيقة لتتسع لمرور السيارات، ولدمج الأحياء بالشوارع الرئيسية.