سجّل الدين العام للولايات المتحدة ارتفاعًا غير مسبوق، متجاوزًا 36 تريليون دولار، ما عزز مكانته كركيزة أساسية للنظام المالي العالمي، لكنه في الوقت ذاته أثار تساؤلات حول استدامته وانعكاساته الاقتصادية.
وزاد الجدل بعدما صرّح الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بإمكانية وجود تلاعب في مدفوعات سندات الخزانة، مشككًا في دقة أرقام الدين، مما أثار مخاوف المستثمرين بشأن مستقبل السندات الأمريكية كأصول آمنة.
كيف يتوزع الدين الأمريكي؟
يُعدّ الدين العام الأمريكي من أكثر الأصول تداولًا في الأسواق العالمية، إذ يتم الاحتفاظ به كمخزون احتياطي مالي، وكأداة لتحديد الأسعار، فضلًا عن استخدامه كضمانات للقروض.
وتشير البيانات الصادرة عن وزارة الخزانة الأمريكية إلى أن نحو ربع إجمالي الدين العام مملوك لمستثمرين أجانب، في حين تمتلك مؤسسات أمريكية مختلفة النسبة الأكبر.
ويتصدر الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الجهات المحلية المالكة للدين، إذ يحتفظ بحوالي 4.7 تريليون دولار من السندات، بينما تملك مؤسسات الضمان الاجتماعي ووكالات حكومية أخرى ما يقارب 2.4 تريليون دولار.
أما المستثمرون الأمريكيون والجهات الأخرى داخل الولايات المتحدة، فتصل حصتهم إلى نحو 19.7 تريليون دولار، ما يعكس اعتماد الحكومة الأمريكية بشكل رئيسي على التمويل الداخلي.
من هم أبرز الدائنين الأجانب للولايات المتحدة؟
على الصعيد الدولي، تحتل اليابان المرتبة الأولى بين الدائنين الأجانب، حيث تمتلك ما يقارب 1.1 تريليون دولار من سندات الخزانة الأمريكية، تليها الصين بـ 768.6 مليار دولار، ثم المملكة المتحدة بحوالي 765.6 مليار دولار.
وتبرز دول أخرى مثل لوكسمبورج وجزر كايمان وكندا وبلجيكا بين أكبر حائزي السندات، فيما تمتلك المملكة العربية السعودية ما يقارب 135.6 مليار دولار، وتحتفظ كوريا الجنوبية بحوالي 127.8 مليار دولار، بينما تمتلك ألمانيا نحو 97.7 مليار دولار.
وتشير وزارة الخزانة الأمريكية إلى أن بيانات الملكية الأجنبية يتم جمعها بشكل شهري وتعتمد إلى حد كبير على أمناء الحفظ الأمريكيين، مما يعني أن الأرقام قد لا تعكس بدقة المالكين الحقيقيين للسندات، حيث يمكن أن تحتفظ مؤسسات مالية بأصول نيابة عن مستثمرين من دول أخرى.
كيف تطور الدين الأمريكي عبر العقود؟
شهد الدين العام الأمريكي تصاعدًا مطردًا منذ سبعينيات القرن الماضي، حيث تجاوز 35.5 تريليون دولار في الربع الثالث من عام 2024.
ويعزى هذا الارتفاع إلى عوامل عدة، أبرزها تزايد الإنفاق الحكومي، وارتفاع معدلات الفائدة، والتوسع في برامج الرعاية الاجتماعية، إضافة إلى الأزمات الاقتصادية المتتالية التي دفعت الحكومات الأمريكية المتعاقبة إلى الاعتماد بشكل متزايد على الاقتراض.
وخلال العقود الأخيرة، تفاقمت حدة الدين العام بسبب الأزمات المالية، مثل الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008، وفترة جائحة كورونا التي دفعت الحكومة إلى إطلاق حزم تحفيزية ضخمة لدعم الاقتصاد. وأدى ارتفاع العجز المالي إلى استمرار إصدار سندات جديدة، مما زاد من تراكم الديون بشكل غير مسبوق.
ما المخاطر المحتملة لارتفاع الدين؟
يُشكل تزايد الدين الأمريكي تحديًا كبيرًا، حيث يثير قلق المستثمرين والمحللين الاقتصاديين بشأن قدرة الحكومة الأمريكية على سداد التزاماتها على المدى البعيد.
كما أن استمرار الاعتماد على الاستدانة قد يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الفائدة، مما يزيد العبء على الموازنة الفيدرالية ويقلل من قدرة الدولة على الإنفاق في مجالات حيوية مثل البنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية.
وتبرز أيضًا مخاوف بشأن انعكاسات تزايد ملكية الأجانب للسندات الأمريكية، إذ قد تمنحهم قدرة على التأثير في الاقتصاد الأمريكي، خصوصًا في حال قررت دول كبرى مثل الصين أو اليابان تقليص استثماراتها في هذه السندات.
في ظل هذه التطورات، يظل مستقبل الدين الأمريكي موضوعًا محوريًا في الأوساط المالية والاقتصادية، حيث تتطلب معالجته قرارات حاسمة على مستوى السياسات النقدية والمالية. ومع استمرار نمو العجز، يتزايد الضغط على صناع القرار لإيجاد حلول مستدامة تضمن استقرار الاقتصاد الأمريكي وتحد من المخاطر الناجمة عن تفاقم الديون.