بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حملة غير مسبوقة لتعزيز سيطرته على مؤسسات الحكومة الفيدرالية، من خلال خطة جذرية تهدف إلى تفكيك ما يسميه هو وحلفاؤه «الدولة العميقة».
تهدف هذه الخطة، بحسب رويترز، إلى إعادة تصنيف آلاف الموظفين الفيدراليين واستبدالهم بمؤيدين سياسيين، في خطوة قد تكون الأكثر تطرفًا بين رؤساء الولايات المتحدة في العقود الأخيرة.
ما القضية؟ ولماذا تثير الاهتمام؟
يرتبط هذا المخطط بتنفيذ أمر تنفيذي يعرف باسم «جدول F»، يتيح إعادة تصنيف حوالي 50 ألف وظيفة من المناصب الدائمة إلى التعيينات السياسية.
ووفقًا لما نقلته رويترز عمّن عدتهم مصادر مطلعة، ستسمح هذه الخطوة للإدارة بفصل الموظفين الفيدراليين دون أسباب قانونية واضحة، مما يفتح المجال لتعيين شخصيات موالية للرئيس.
ويقول مراقبون إن هذه الخطوة تهدد بنشر ثقافة الخوف والصمت بين موظفي الحكومة، حيث سيخشى الكثيرون التعبير عن آرائهم أو اتخاذ قرارات قد تكون غير متماشية مع التوجهات السياسية للإدارة. ويرى البعض أن خطة ترامب هذه ليست سوى محاولة لتبرير استيلاء تنفيذي على السلطة تحت مظلة مكافحة «الدولة العميقة».
كيف حدث هذا؟
تعود جذور هذه الفكرة إلى نهاية ولاية ترامب الأولى، حينما أصدر أمرًا تنفيذيًا لإطلاق «جدول F» في عام 2020، لكنه لم يتمكن من تنفيذه بشكل كامل قبل انتهاء ولايته. الآن، مع استعداد ترامب لتولي الرئاسة مرة أخرى، يعمل فريقه على إحياء هذا المخطط.
وأشارت مصادر مطلعة لوكالة «رويترز» إلى أن التنفيذ قد يبدأ في اليوم الأول من ولاية ترامب الثانية، مما يعكس عزم الإدارة على الإسراع في تحقيق هذه التغييرات.
وتتزامن هذه الجهود مع طلبات استقالة بعض كبار الدبلوماسيين وتعيين شخصيات ذات توجهات سياسية واضحة، مما يعزز السيطرة على البيروقراطية الحكومية.
ماذا يقول المؤيدون والمعارضون؟
يبرر أنصار ترامب هذه الخطوة بالقول إن «الدولة العميقة» تضم موظفين حكوميين يستخدمون مواقعهم لتعطيل أجندة الرئيس. وفقًا لرئيس الميزانية السابق راسل فوت، الذي لعب دورًا محوريًا في صياغة «جدول F»، فإن هذه الخطوة تضمن أن يكون الموظفون الحكوميون ملتزمين برؤية الرئيس وسياساته.
لكن يرى المعارضون أن هذه الادعاءات لا أساس لها، ويدحضون فكرة وجود «دولة عميقة» تعمل ضد الرئيس. جيمس آيزنمان، خبير سياسات القوى العاملة الفيدرالية، يقول إن القانون الحالي يسمح بالفعل بفصل الموظفين الذين لا يؤدون وظائفهم، وإن «جدول F» سيخلق بيئة مشحونة بالخوف، مما يضر بأداء الموظفين.
من جانبه، قال ستيف لينكارت، المدير التنفيذي للاتحاد الوطني للعمال الفيدراليين، إن هذه الخطة تعني إخضاع الموظفين لاختبارات الولاء السياسي. وأضاف: «الإدارة القادمة تعترف بأنها ستستخدم جدول F لتحديد الأشخاص غير المرغوب فيهم والتخلص منهم، مما يحول الحكومة إلى أداة سياسية».
من يقود التغيير؟
تلعب الشخصيات الرئيسية التي تم تعيينها دورًا كبيرًا في تشكيل هذا المخطط. حيث رشح ترامب راسل فوت لقيادة مكتب الإدارة والميزانية، وسيرجيو جور لإدارة مكتب شؤون الموظفين في البيت الأبيض، وجيمس شيرك، أحد مهندسي جدول F، كمساعد خاص للرئيس. وأعد شيرك تقريرًا لصالح معهد «أمريكا أولاً» المحافظ يبرز فيه الأمثلة التي زعم فيها أن البيروقراطية عرقلت سياسات ترامب.
كيف ستؤثر هذه التغييرات على الهيئات الحكومية؟
يركز فريق ترامب على تحديد الأفراد الذين يُعتقد أنهم يعارضون سياسات الإدارة.
وبدأ ذلك بالفعل في ديسمبر الماضي، حيث نشرت مؤسسة «المساءلة الأمريكية» قائمة بأسماء قادة عسكريين ومدنيين تتهمهم بالتركيز المفرط على التنوع والشمولية. وتوعد المتحدث باسم المؤسسة، يتز فريدمان، بالكشف عن المزيد من الأسماء قريبًا.
في الوقت نفسه، دافع وزير الدفاع المنتهية ولايته لويد أوستن عن سياسات التنوع، مشيرًا إلى أن الجيش الأمريكي يمثل تنوع المجتمع الأمريكي. لكن يبدو أن إدارة ترامب المقبلة عازمة على إعادة تشكيل تلك السياسات.
ما الآثار المحتملة؟
إذا نجحت هذه الخطة، فإنها قد تعيد صياغة الهيكل الحكومي بشكل جذري، مما يثير مخاوف حول استقلالية الموظفين الفيدراليين ودورهم في الحفاظ على توازن السلطة. يرى النقاد أن هذه التغييرات تهدف إلى تحويل الحكومة إلى كيان يدار بشكل مركزي من قبل القيادة السياسية.
وقال آيزنمان: «عندما يخاف الموظفون من فقدان وظائفهم، فإنهم يتوقفون عن اقتراح حلول مبتكرة أو حتى عن تنفيذ واجباتهم الأساسية بكفاءة. هذا ليس في مصلحة أي إدارة، بغض النظر عن توجهاتها السياسية».
في حين أن ترامب وحلفاءه يرون أن هذه الخطوة ضرورية لمواجهة التحديات التي تعرقل تنفيذ أجندتهم، فإن التحدي الأكبر قد يكون في الحفاظ على شرعية المؤسسات الفيدرالية وثقة المواطنين بها.