اختار قاموس أكسفورد الشهير، كلمة «تدهور الدماغ Brain rot» ككلمة لعام 2024، وهو مصطلح يعبر عن التأثيرات السلبية للاستهلاك المفرط للمحتوى الرقمي الرخيص والسطحي على القدرة العقلية.
وفي كل عام، تختار قواميس اللغة الأكثر شهرة في العالم كلمة أو تعبيرًا يعكس المشاعر والأحداث التي طغت على تلك السنة، وهي كلمات لا تمثل مجرد مفردات لغوية، بل تجسيد حي للمزاج الثقافي والاجتماعي والسياسي الذي يميز ذلك العام، وخلال السنوات السابقة صدرت القواميس كلمات تُظهر تطورًا فكريًا وثقافيًا في زمن سريع التغير.
مخاوف العصر الرقمي
صعدت كلمة «تدهور الدماغ» هذا العام إلى الواجهة بعد أن عكست القلق المتزايد من التأثيرات السلبية للمحتوى الرقمي على العقل البشري.
وأظهرت الأبحاث أن الجيلين «زد» و«ألفا» هما الأكثر تأثرًا بهذه الظاهرة، إذ يقضون وقتًا طويلًا في متابعة محتوى موجه خصيصًا لهم على السوشيال ميديا، مما يؤدي إلى تدهور قدراتهم العقلية بشكل تدريجي.
وتعود جذور الكلمة إلى عام 1854، حيث استخدمها هنري ديفيد ثورو في كتابه «والدن» للإشارة إلى تدهور المجتمع الفكري، لكن في 2024، أصبح المصطلح يعبر عن ظاهرة معاصرة تتعلق باستهلاك محتوى «سطحي» وغير محفز فكريًا على الإنترنت.
لغة الجاذبية الشخصية
أما في 2023، فكانت كلمة العام «ريز Rizz»، التي أصبحت مرادفًا للجاذبية الشخصية والقدرة على جذب انتباه الآخرين بطرق ساحرة وغير مباشرة.
ويوضح هذا الاختيار تغيرًا ثقافيًا نحو التأثيرات التي يمكن أن تكون غير مرئية ولكنها فعالة في السوشيال ميديا أيضًا، حيث أصبحت “الريز” كلمة شائعة تعبر عن القوة الشخصية التي تنبع من الثقة بالنفس والجاذبية في تفاعلاتنا اليومية.
«وضع العفريت»
في 2022، كان اختيار كلمة «وضع العفريت Goblin Mode»، دليلًا على التحول في تفاعل الأفراد مع واقعهم الرقمي.
وفي تلك السنة، اختيرت الكلمة للدلالة على حالة من التمرد على المعايير الاجتماعية والرقمية، وهي تعبير عن الفوضى الذاتية أو تجاهل التوقعات المجتمعية.
وأصبح «وضع العفريت» رمزًا للرفض التام للمثالية التي تروج لها السوشيال ميديا، والتأكيد على القبول بالذات دون أي قيود أو تصنع.
جائحة كورونا
وفي عام 2021، كانت كلمة «لقاح» هي كلمة العام، وجاءت لتسجل اللحظة الحاسمة في التصدي لجائحة كورونا.
وتجسد هذه الكلمة الجهود العالمية لمكافحة الوباء، والتغيير الجذري في حياة الملايين، حيث أظهرت الكلمات التي انتشرت مثل «اللقاح» و«التطعيم» كيف فرضت الجائحة نفسها على محاور الحوار العام والسياسي.
التحذير من المستقبل البيئي
أما في 2020، فاختيرت كلمة «الطوارئ المناخية Climate Emergency»، التي كانت تعبيرًا عن الوعي المتزايد بالخطر البيئي الذي يهدد كوكب الأرض.
في تلك السنة، اندلعت احتجاجات من قبل الشباب في جميع أنحاء العالم، مع مطالبات ملحة للعمل ضد التغيرات المناخية المتسارعة.
وسلطت هذه الكلمة الضوء على الأزمة البيئية التي أضحت قضية ملحة على المستوى العالمي، وتُعبر عن التهديدات المستقبلية التي قد تكون أكثر تدميرًا إذا لم يتم التصدي لها بشكل عاجل.
من الكلمات الحديثة إلى المصطلحات المستدامة
إلى جانب هذه الكلمات التي اختارتها القواميس كل عام، تتغير اللغة بشكل مستمر لتعكس تحولًا اجتماعيًا وثقافيًا، فكما اختيرت كلمة «ريز» و«وضع العفريت» في السنوات الأخيرة، شهدت الأعوام السابقة ظهور مصطلحات مثل «الهاشتاج» و«الإنفلونسر» و«الذكاء الاصطناعي»، التي دخلت القواميس بعد أن أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياة الملايين.
إن الكلمات التي يتم اختيارها تعكس في كثير من الأحيان التحديات والمخاوف التي تواجه المجتمع، سواء كانت تتعلق بالتكنولوجيا، البيئة، أو حتى الصحة العقلية.
وبينما تعكس بعض الكلمات المزايا المتزايدة للتكنولوجيا والتطور الرقمي، فإن بعضها الآخر يدق ناقوس الخطر بشأن التحديات المرتبطة بها.
في النهاية، ما نلاحظه في كلمات كل عام هو مدى تأثير الأحداث العالمية والتحولات الاجتماعية على اللغة، فالقواميس لا تقتصر على حفظ الكلمات فحسب، بل هي حية ومتجددة، تواكب التغيرات في الفكر والمجتمع.
وبينما تأخذ كلمات مثل «تدهور الدماغ» و«الطوارئ المناخية» دورها في عكس المخاوف والهموم العميقة للأجيال الجديدة، فإن الكلمات التي تم اختيارها في السنوات السابقة تظل شاهدة على تطور الفكر الإنساني في مواجهة التحديات المتجددة في هذا العالم المتسارع.