منذ بداية العقد الحالي، ربطت علاقة صداقة قوية بين الرئيس التنفيذي لشركة فولكس فاغن آنذاك هربرت ديس ورئيس شركة تسلا، إيلون ماسك.
ومن منطلق هذه الصداقة المميزة كان كل منهما يُثني على إنجازات الآخر في مجال السيارات.
ووقتها اعتبر ديس أن شركة تسلا هي معيار النجاح، فيما قال ماسك إن فوكس فاغن تقوم بجهد غير مسبوق من أجل التحول للسيارات الكهربائية.
ولكن الأمور لا تسير دائمًا كما نريد، فالآن أصبحت شركة تسلا متفوقة بشكل كبير على فولكس فاغن، وبات ماسك أغنى رجل في العالم بزيادة 10 مرات عما كان عليه في 2020.
أما فولكس فاغن الألمانية فتراجعت قيمتها السوقية، لتتفوق عليها تسلا بـ14 ضعف، فيما تم طرد ديس من منصبه، وتسعى فاغن حاليًا لتقليص خططها بل وتفكر في إغلاق مصانع السيارات في ألمانيا.
ولعل أبرز ما يوضح نفوذ كل شركة في عام 2024 هو التعريفات الجمركية المتباينة التي تواجهها كل شركة في السوق الأوروبية.
وضغطت شركة تسلا على المفوضية الأوروبية لإجراء تحقيق منفصل في إطار تحقيقها بشأن السيارات الكهربائية المصنوعة في الصين، وحصلت على معدل أقل من العلامات التجارية الأوروبية.
ولكن شركة SAIC الشريكة المعروفة لفولكس فاغن تعرضت لانتقادات شديدة في السوق بسبب عدم تعاونها، وتم فرض نسبة عالية من الرسوم الجمركية تُقدر قيمتها بـ35.5%.
ولكن لماذا تباينت الظروف بين تسلا وفولكس فاغن؟
بتقييم الوضع، سنجد أن هناك سبب رئيسي دفع تسلا لتحقيق كل هذه الثروة، وكذلك الدفع بفولكس فاغن إلى الهاوية وهي “الصين”.
ويرجع ذلك إلى أن جميع شركات السيارات تتعامل مع الصين، وكانت هي السوق الأكثر ربحية والأسرع نموًا عندما ارتفعت ثروات شركات السيارات في عام 2017
ولكن وسط كل ذلك كان هناك خطر يحدق بفولكس فاغن بشكل خاص.
وفي الوقت الذي تُعتبر الصين هي أكبر سوق لمعظم ماركات السيارات بشكل عام خارج السوق المحلي، إلا أنها كانت أكبر سوق لفولكس فاغن بشكل خاص.
وفي عام 2017، باعت فاغن نحو نصف 10 ملايين سيارة ركاب إلى الصين، ولكن هذه الأرقام تراجعت خلال العام الماضي إلى 3 ملايين سيارة فقط بنحو ثلث مبيعات الشركة الإجمالية.
وفي النصف الأول من هذا العام، انخفضت مبيعات فولكس فاجن في الصين بنحو 20% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023.
وبحسب محلل سيارات عاش في الصين على مدى العشرين عامًا الماضية، بيل روسو، فإنه إذا خسرت فولكس فاغن سوقها الأكثر ربحية، سيؤثر ذلك على النظام بأكمله.
البداية في السوق الصينية
تُعتبر فولكس فاغن من أوائل شركات صناعة السيارات الأجنبية التي دخلت السوق الصينية في ثمانينيات القرن الماضي.
واضطرت الشركة وقتها للقبول بشراكة مع شريك صيني وأن تتقاسم معه الأرباح، وهذا على خلاف ما حدث مع تسلا التي بدأت أعمالها في الصين في عام 2020 بدون شريك محلي.
ويرجع هذا الامتياز إلى المحادثات التي أجراها ماسك مع المسؤولين الصينيين.
وبدخول تسلا إلى السوق الصينية أحدثت طفرة، وارتفع معها الاهتمام بالسيارات الكهربائية وهو ما وضع فولكس فاغن في موقف حرج.
وفي عام 2020، شكلت السيارات الكهربائية 6% فقط من مبيعات الصين، بينما في النصف الأول من هذا العام بلغ هذا الرقم 43%.
وخلال تلك الفترة، خسرت العلامات التجارية الأجنبية للسيارات 27% من حصة السوق في الصين، وفقًا لبيانات شركة روسو الاستشارية، وهو ما أثر على شركة فولكس فاغن.
وتلعب السيارات الكهربائية الصينية دورًا كبيرًا في هذه السوق الضخمة، إذ تشارك بـ16 سيارة من إجمال 20 علامة تجارية هي الأفضل في العالم.
وتحتل سيارة ID.4 من فولكس فاجن المرتبة 12 بين السيارات الكهربائية، حيث باعت 193,000 وحدة فقط.
رياح معاكسة
وكانت فولكس فاغن علامة مميزة ضمن السوق الصينية سريعة الحركة، وهذا ما دفع بها للنجاح طوال العقود الماضية.
ومع التحول نحو السيارات الكهربائية كانت الشركة الألمانية تمتلك خططًا طموحة، ولكن ذلك لم يمنعها من ارتكاب الأخطاء.
ولكن فولكس فاغن ليست العلامة التجارية الوحيدة التي تواجه تحديات داخل الصين، بل إن بي إم دبليو ومرسيدس رياحًا معاكسة أيضًا، ولكن ما يمنحها القوة قليلًا هو مكانتها في السوق.
وتقف التقنية الحديثة وراء النجاح الذي تحققه السيارات الكهربائية في الصين.
وأصدرت فولكس فاغن أول سيارة كهربائية لها وهي ID.3، وكانت تستهدف من خلالها بدء عصر جديد للشركة، ولكن الصعوبات كانت في انتظارها.
وعانت العلامات التجارية الأخرى التابعة لفولكس فاجن، أودي وبورش، من نفس المشكلات، حيث تأخرت موديلاتها عن الجدول الزمني بأكثر من ثلاث سنوات .
ويقول رئيس قسم النقل النظيف في الشركة، كولين ماكيراتشر، إن الوضع كان سيكون مختلفًا إذا حقق هذا الإصدار نجاحًا.
وبمواجهة تلك التعثرات الداخلية كان أمام فلوكس فاغن حلًا وحيدًا وهو عقد الشراكات، وكانت أحدث خطوة مع شركة ريفيان الناشئة الأمريكية للسيارات الكهربائية.
واستثمرت فولكس فاجن 5 مليارات دولار في ريفيان لإنشاء “منصات سيارات محددة بالبرمجيات من الجيل التالي” للسيارات الكهربائية لكلا الشركتين، وفقًا لبيان صحفي.
التخلف عن الركب
واجهت شركات السيارات الكهربائية الأوروبية صعوبة في التحول مقارنة بالشركات الصينية، نظرًا لعدم امتلاك نفس سلسلة توريد البطاريات التي تمتلكها الشركات الصينية المنافسة فحسب، وكذلك افتقارها إلى منصات البرامج والرقائق اللازمة.
وعندما واجهت الصين نفس المشكلة في ثمانينيات القرن الماضي، بدأت في قبول دخول الشركات الأجنبية إلى سوقها ولكن من خلال شراكات مع شركات محلية.
والآن تمتلك شركات صناعة السيارات الصينية التكنولوجيا والخبرة اللازمتين لكي تصبح منافسين شرسين ــ وهي تقلب الترتيب القديم رأسًا على عقب، فتنشئ مشاريع مشتركة في أوروبا .
وتمتلك فولكس فاغن شراكات مع شركات مثل Xpeng الوافدة الجديدة لتطوير نموذجين من السيارات الكهربائية للسوق الصينية.
ولكن على العكس، قالت فاغن في مارس الماضي إنها لن تفتح مصانعها للشراكات مع الشركاء الصينيين، ولكنه استبعدت في نفس الوقت أن تُغلق مصانها في ألمانيا لأول مرة في تاريخها الممتد من 87 عامًا.
تحديات مماثلة
تتشابه شركتا فولكس فاجن وتيسلا في أمر واحد: إنهما تواجهان نفس التحدي المتمثل في الطاقة الإنتاجية الزائدة.
والمشكلة الحالية هي أن قطاع السيارات الكهربائية يشهد تشبعًا مفرطًا، ما يجعل من الصعب للشركات الصينية أن تبيع سياراتها في الخارج، وهو نفس الأمر الذي تعاني منه السوق الأوروبية المحلية لفولكس فاغن.
وتعني تكاليف الإنتاج الأرخص أن النماذج الصينية تأتي بسعر جذاب.
وداخل السوق الأوروبية تراجعت هيمنة تسلا بعد انخفاض مبيعات السيارات الكهربائية، ولكن هناك أعباء إضافية على فولكس فاغن لأنها لا زالت تعتمد على مبيعات السيارات ذات محركات الاحتراق لدعم عمود إيراداتها.
وخلال العام الماضي بلغت نسبة مبيعات السيارات الكهربائية للشركة 8.3٪ من الإجمالي.
وبايتمرار فولكس فاغن على هذا النهج، من المرجح أن يعرضها ذلك إلى غرامات ضخمة بسبب عدم الوفاء بالتزامات الانبعاثات الجديدة في الاتحاد الأوروبي التي تدخل حيز التنفيذ العام المقبل.
وتواجه شركة فولكس فاجن، إلى جانب فورد، التحدي الأكبر بين شركات صناعة السيارات الأوروبية في تحقيق هدف عام 2025، وفقًا لتحليل أجرته شركة داتا فورس.
وطلبت فولكس فاغن من المفوضية الوروبية أن تؤجل تحقيق الأهداف خصوصًا في ظل عدم توافر الظروف التي تمكنها من إنتاج اسليارات الكهربائية بالشروط المفروضة.
وفي تطور مثير للسخرية، قد ينتهي الأمر بفولكس فاجن إلى دفع أموال لشركة تسلا لخفض الانبعاثات.
المصدر: politico