لم يكن رد فعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مخالفًا للتوقعات حينما خرج أمس في أول خطاب علني له وأكد تمسكه بالنقاط الخلافية المتعلقة بمفاوضات الهدنة.
وجاءت تصريحات نتنياهو في أعقاب احتجاجات عارمة شهدتها تل أبيب، الإثنين، إلى جانب إضراب عام على خلفية مقتل 6 رهائن إسرائيليين في غزة.
وخرج مئات الآلاف من الإسرائيليين في محاولة للضغط على نتنياهو لقبول صفقة وقف إطلاق النار مع حماس، والتي كانت مصحوبة بردود فعل غاضبة.
ولكن نتيناهو لم يرضخ لتلك الضغوط، وقال في خطابه إنه متمسك بشرط السيطرة الإسرائيلية على محور فيلادلفيا، وهي نقطة خلاف رئيسية في المحادثات.
وتزعم إسرائيل أن حماس تستغل الشريط الضيق على الحدود بين غزة ومصر لتهريب الأسلحة، ولكن القاهرة والحركة الفلسطينية ينفيان ذلك.
ووصف نتنياهو الممر بأنه الأكسجين الذي تتنفسه حماس، وأن السيطرة عليه بهدف ضمان عدم تسليحها مرة أخرى.
وأضاف: “لا أحد أكثر التزاما بتحرير الرهائن مني.. لن يعظني أحد في هذه القضية”.
أزمة نتنياهو
يُلقي الإسرائيليون باللوم على نتنياهو فيما يتعلق بموت الرهائن الستة، قائلين إن التوصل إلى اتفاق مع حماس كان يمكن أن يُعيدهم أحياء إلى منازلهم.
وحول منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي، تجمع عدة آلاف من الإسرائيليين حاملين توابيت ملفوفة بالعلم الإسرائيلي، مطالبين إياه بالموافقة على اتفاق الهدنة مرددين هتافات “الاتفاق الآن”.
ولكن الشرطة تدخلت وانتزعت التوابيت وفرّقت المتظاهرين وألقت القبض على البعض منهم، في الوقت الذي سار آلاف آخرون خارج حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو في تل أبيب، وفقًا لوسائل إعلام إسرائيلية.
من ناحية أخرى يؤيد آخرون استمرار نتنياهو في خطته وحملته العسكرية في غزة، المستمرة منذ 11 شهرًا، والتي راح ضحيتها أكثر من 40 ألف مدني فلسطيني حتى الآن.
ويزعم نتنياهو أن عدوانه على القطاع المحاصر سيجبر عناصر حماس على الاستسلام، وسيؤدي إلى إنقاذ الرهائن بل وممكن أن يؤول في النهاية للقضاء على الجماعة.
مزيد من الجهد
قال الرئيس الأمريكي جو بايدن للصحفيين أمس لدى وصوله إلى البيت الأبيض لحضور اجتماع مع فريق الوساطة الأمريكي، إن نتنياهو لا يبذل المزيد من الجهد.
وأكد أن المفاوضين ما زالوا “قريبين للغاية” من التوصل إلى اتفاق، مضيفا أن “الأمل يبقى أبديًا.
وعندما سئل نتنياهو عن تعليقات بايدن، قال إن الضغوط يجب أن تُفرض على حماس، وليس إسرائيل، وخاصة بعد مقتل الرهائن، الذين قال إنهم تعرضوا لإطلاق نار في مؤخرة الرأس من قبل خاطفيهم.
وتتهم حماس إسرائيل بعرقلة التوصل إلى اتفاق ما دفع المفاوضات للاستمرار منذ شهور، وذلك بتمسكها ببنود خلافية مثل السيطرة على محور فيلادلفيا وممر ثان عبر غزة.
وكانت حماس أبدت موافقتها إطلاق سراح الرهائن مقابل انسحاب إسرائيل الكامل من القطاع والإفراج عن السجناء الفلسطينيين في سجونهم، ومن بينهم عناصر بارزة في الجماعة.
وجاءت تلك الشروط بعد مقترح طرحه بايدن في يوليو الماضي بخصوص وقف إطلاق النار.
ولكن نتنياهو حمّل حماس مسؤولية فشل المفاوضات، وتعهد بتحقيق نصر كامل على الحركة.
ويوم الإثنين، أيدى نتنياهو موافقته على تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار والتي تتضمن إطلاق سراح بعض الرهائن الإسرائيليين، مقابل الانسحاب الجزئي للقوات الإسرائيلية من غزة وإطلاق سراح بعض السجناء الفلسطينيين.
ولكن نتنياهو رفض الانسحاب الكامل من غزة، قائلًا إنه لا يري أي طرف آخر جدير بالسيطرة على حدود القطاع.
انقسامات داخلية
يأتي ذلك في الوقت الذي نقلت فيه وسائل إعلام تفاصيل عن انقسامات وخلافات داخل الحكومة الإسرائيلية، وخصوصًا بين كبار المسؤولين الأمنيين ومن بينهم وزير الدفاع يوآف غالانت الذي يرى أن الوقت مناسب لوقف إطلاق النار.
وشهد اجتماع مجلس وزراء الاحتلال يوم الخميس الماضي مشادات كلامية حول إنهاء العملية العسكرية، وخصوصًا عندما أجرى نتنياهو تصويتًا حول الاحتفاظ بالسيطرة على ممر فيلادلفيا.
وكانت الاعتراض الوحيد على الاقتراح من جانب غالانت، والذي أكد أن نتنياهو يفضل ترتيبات الحدود على حساب حياة الرهائن.
وقال خليل الحية، المسؤول في حركة حماس الذي يقود المفاوضات، لشبكة الجزيرة القطرية في وقت متأخر من يوم الأحد، إن نتنياهو اعتبر الحفاظ على ممر فيلادلفيا “أكثر أهمية” من الفوز بإطلاق سراح الرهائن.
ويقول نتنياهو إن انسحابه من السيطرة على الممر سيجعل من عودته أمرًا صعبًا في ظل الضغوط الدولية.
ودعا غالانت مجلس الوزراء الأحد إلى التراجع عن قرار سابق بإبقاء القوات في ممر فيلادلفيا من أجل التوصل إلى اتفاق لإعادة المزيد من الرهائن إلى ديارهم.
وعن احتمالية إقالة غالانت، قال نتنياهو إن الموقف لا يزال يسمح بعملهما سويًا، طالما أن الثقة قائمة، وكان نتنياهو أقال غالانت العام الماضي بسبب قضية منفصلة، ولكنه عاد في القرار في مواجهة احتجاجات شعبية.
موافقة مبدئية
كان موقع “أكسيوس” الإخباري الأمريكي نشر في نهاية أغسطس الماضي، أنباءً نقلها عن ثلاثة مسؤولين إسرائيليين قالوا إن الرئيس بايدن طلب من رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو خلال مكالمة هاتفية، الموافقة على سحب القوات الإسرائيلية من جزء من الحدود بين مصر وغزة.
وجاء ذلك خلال المرحلة الأولى من اتفاق إطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار في غزة حتى تتمكن المفاوضات بشأن الاتفاق من المضي قدما.
وقال المسؤولون الإسرائيليون إن نتنياهو وافق جزئيا على طلب بايدن ووافق على التنازل عن موقع إسرائيلي واحد على طول الحدود.
وِأشاروا إلى أن بايدن طلب سحب القوات الإسرائيلية من شريط يمتد من كيلومتر إلى كيلومترين على طول الحدود بين مصر وغزة.
وتقع المنطقة بالقرب من ساحل رفح، وتجاور حي تل السلطان الذي يأوي عدداً كبيراً من النازحين الفلسطينيين.
ويرى جميع الأطراف أن تلك المرونة في التفاوض من شأنها أن تزيل العقبات وتفتح الطريق أمام اتفاق شامل.