سياسة

سنصنع آلة جهنمية لنسحق أعدائنا.. وثيقة نادرة تكشف تصريحات أمريكا قبل قصف اليابان النووي

خلال الحرب العالمية الثانية، قصفت الولايات المتحدة الأمريكية اليابان بالقنبلة النووية مرتين، الأولى على مدينة هيروشيما (6 أغسطس 1945) والقنبلة الأخرى على ناجازاكي (9 أغسطس 1945) وكان هذا أول استخدام للأسلحة الذرية في الحروب.

قبل قصف اليابان بشهر واحد، أصدرت الولايات المتحدة كتابًا مُترجمًا بعنوان “أمريكا” عبر مكتبها في القاهرة للاستعلامات، وكأنه وثيقة تاريخية باللغة العربية، تمهّد فيه لقرارها المصيري الذي غيّر شكل العالم، وجعلها على قمته في كثير من النواحي.

الحرب العالمية الثانية باختصار

اشتعلت شرارة القتال بأمر الديكتاتور الألماني أدولف هتلر في خريف 1939 حين هجمت قواته على بولندا، مدفوعًا بمطامعه التوسعية العنصرية، وانتقامًا من هزيمة بلاده المُذلّة في الحرب العالمية الأولى، فتشكل المُعسكر الأول من ألمانيا وحليفتيها إيطاليا واليابان، فيما سُمي بقوى المحور.

على الجبهة الأخرى، اتحدت القوى الدولية المعروفة بالحلفاء (فرنسا – بريطانيا العظمى – ألمانيا – الولايات المتحدة – الاتحاد السوفييتي – الصين) وبدأت المعارك الطاحنة لتستمر 6 سنوات، انتهت بهزيمة المحور وخلّفت من 40 إلى 50 مليونًا من القتلى.

بمجرد استسلام ألمانيا في مايو ١٩٤٥، كانت طموحات الولايات المتحدة في صنع القنبلة النووية قد حققت مرادها، بفضل جهود الفيزيائي الأمريكي روبرت أوبنهايمر وفريق علمائه، وكان الغرض هو التوصل إلى السلاح النووي سريعًا قبل الألمان.

اليابان ترفض الاستسلام

برغم توقف القتال في أوروبا، تعهدت اليابان بالقتال حتى النهاية في المحيط الهادئ، بل وألحقت قواتها في شهور قليلة بالحلفاء خسائر بلغ مجموعها ما يقرب من نصف تلك التي تكبدوها في ثلاث سنوات كاملة، لهذا مال كبار القادة العسكريين الأمريكيين إلى الاستمرار في القصف التقليدي لليابان ومتابعة ذلك بغزو هائل، أطلقوا عليه اسم “عملية السقوط”

عرض القادة خطتهم على الرئيس الأمريكي هاري ترومان، الذي دخل البيت الأبيض للتو قبل شهر واحد من استسلام ألمانيا، وحين عرف أن خسائر “عملية السقوط” في الأرواح قد تصل إلى مليون جندي أمريكي، قرر الرئيس استخدام القنبلة الذرية لإجهاز على اليابان وإنهاء الحرب بسرعة، وهو ما حدث.

عدد القتلى الدقيق الناجم عن القصف غير معروف حتى الآن، لكن التقديرات تُرجّح ما بين 70 ألفاً و135 ألف شخص لقوا حتفهم في هيروشيما، وما بين 60 ألفاً و80 ألف شخص في ناجازاكي، سواء بسبب الانفجارات أو الآثار الجانبية طويلة الأمد للإشعاع النووي.

لم ترضخ اليابان بعد قنبلة هيروشيما، لكنها رفعت الراية البيضاء بعد يوم واحد من قصف ناجازاكي، وانتهت الحرب العالمية الثانية رسميًا في 2 سبتمبر 1945، بتوقيع وثائق الاستسلام على ظهر السفينة الحربية الأمريكية ميسوري.

الكتاب الأمريكي

في الصفحات الأخيرة من كتاب “أمريكا” الرسمي، المنشور بالعربية في القاهرة يوليو 1945، قبل القصف النووي بشهر واحد، تتعهد الولايات بالحرب الشرسة على أعدائها، قائلة:

ــ فليوقن كل إنسان أننا سنخوض غمار هذه الحرب حتى نهايتها. وسنُلقي في هذا القتال بكل ما تنتجه مصانع الولايات المتحدة وبكل رجل يمكن تجنيده (..) سنستمر في الحرب إلى أن تُسحق حكومات المحوريين سحقًا، وينمحي ذكر دكتاتورياتهم من أذهان البشر، ويحل الدمار بما لهم من القوى الحربية في البر والبحر

وفي موضع آخر من الكتاب، ترفع “أمريكا” من حدة تهديدها وتلمّح بقنبلتها، قائلة:

ــ إذا احتاج الأمر لأن ندرب كل مواطن على استعمال السلاح وصناعة الأسلحة والمهن الأخرى التي تؤازر قوتنا الحربية، فسوف نفعل ذلك. وإذا دعت الحال أن نخترع من الآلات الجهنمية ما هو أشد فتكًا مما عُرف حتى الآن، فسوف نفعل.

ماذا عن المدنيين؟

في كتابها، هددت الولايات المتحدة بـ”الدمار بما لدى الأعداء من القوى الحربية في البر والبحر”، وهذا أساسي لدى العقيدة العسكرية، أن تهاجم كل ما هو “حربي” لدى عدوك، لكن ماذا عن غير الحربي؟ خاصة وأن هيروشيما وقت القصف كانت تحتوي على أكثر من ثمانية مدنيين لكل جندي، وبحلول العام التالي، قُتل أكثر من ثلث المدنيين الذين تعرضوا للقنبلة، وأصيب ما يقرب من نفس العدد وكان عليهم الانتظار لساعات أو أيام للحصول على الرعاية.

اختلف المؤرخون كثيرًا حول هذه النقطة، بعضهم يؤيد القصف لأن اليابان لم تكن لتستسلم، والبعض الآخر يؤكد أن حلولاً أخرى أكثر أخلاقية كانت متاحة، ومن الفريق الأخير يقول الدكتور آدم ماونت، زميل أول ومدير مشروع الوضع الدفاعي في اتحاد العلماء الأميركيين، في مقال له عام 2023:

ــ حتى لو صدّق الأمريكيون أن حكومتهم ألقت القنبلتين لإنهاء الحرب، إنهم ما زالوا يشعرون بالأسف لأن الولايات المتحدة قتلت عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء. وعلينا أن نأسف لأن القنابل قتلت الأطفال والأطباء والمعلمين والزعماء الدينيين وأسرى الحرب من الحلفاء والعمال القسريين.

ــ علينا أن نأسف لأن حكومتهم لم تعترف بالأميركيين الذين قتلتهم وأصابتهم أو توفر لهم الرعاية الطبية، وعلينا أن نأسف لأن أياً من القنبلتين لم يكن موجهاً إلى هدف عسكري وأن القنبلتين انفجرتا فوق مناطق مدنية، وعلينا أن نأسف لأن حكومتنا لم تحاول إيجاد طريقة أخرى