أحداث جارية سياسة

انهيار أخلاقي وغطرسة جامحة.. هل ما يحدث في غزة ينذر بسقوط أمريكا والغرب؟

6 أشهر كاملة من القتل والتدمير بحق الفلسطينيين في غزة، لم يجد الاحتلال الإسرائيلي مَن يردعه. الضمير الغربي دخل في سبات عميق، لم توقظه مشاهد أطفال غزة بدمائهم، أو مشاهد الجثث لحظات استخراجها من تحت أنقاض منازل قصفها الاحتلال بأسلحة غربية.

مرت 6 أشهر على العدوان الإسرائيلي على غزة. حصيلة جرائم الاحتلال مؤلمة. 34 ألف شهيد ثلثاهم من النساء والأطفال فضلاً عن 90 ألف جريح، والمجاعة تلوح في الأفق، تطرق أبواب خيام النازحين دون هوادة.

ازداوجية المعايير و”الغطرسة الغربية”

وفي خضم ذلك، لم يتوقف الحديث عن ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين والسقوط الأخلاقي للغرب، للحد الذي دفع كثيراً من الكتاب إلى الحديث عن “مؤامرة الصمت“، كما عنون مايكل يونغ مقاله على موقع مركز كارنيجي لدراسات الشرق الأوسط، في نوفمبر الماضي، وهو المقال الذي انتقد فيه يونغ التواطؤ الغربي.

قال يونغ في مقاله نصاً: “لقد انهارت الأُسُس الأخلاقية التي قامت عليها السردية الغربية بشأن أوكرانيا على وقع انهيار المباني السكنية في غزة. مَن سيصدّق مجدّدًا الخطاب الأمريكي أو الأوروبي حول شرّ روسيا، فيما الكثير من البلدان الغربية لا يأبه بالقتل الجماعي الذي يرتكبه الجيش الإسرائيلي؟”.

واليوم، وتحت عنوان: “الدم والفوضى والانحدار: هذه هي ثمار الغطرسة الغربية الجامحة”، كتب أوين جونز، وهو كاتب عمود في صحيفة الجارديان، مقاله الذي بدأه بالقول إن “هذا القرن يحمل موضوعاً واحداً شاملاً: سقوط الغرب، أي الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين”.

ويوضح الكاتب أن “كل أزمة كبرى تعمل على تسريع هذا الاتجاه الذي لا لبس فيه”، مشيراً إلى أن الحرب في غزة ليست سوى أحدث المظاهر.

واستعرض الكاتب عدداً من المقالات المنشورة في الصحف الغربية، التي قال عنها إنها “مقالات مليئة بالإدراك المذعور بأن ما هو مدفون تحت أنقاض غزة أكبر من مجرد آلاف الجثث المجهولة الهوية. وكتب ماثيو باريس في صحيفة التايمز: “إن الضرر الذي لحق بسمعة إسرائيل، أقل وضوحا بكثير من المستشفيات المحطمة في غزة، وهو أمر لا يحصى”.

هزيمة استراتيجية كارثية

“إن حقيقة أن إسرائيل تواجه هزيمة استراتيجية كارثية وكارثة تتعلق بسمعتها بدأت تتجلى حتى في أعين مؤيديها المتحمسين؛ وسرعان ما سوف يكون مفهوماً على نطاق واسع أن هذا ينطبق على مشجعيها الغربيين أيضاً”، على ما ذكر أوين في مقاله.

ولفت الكاتب إلى أنه في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي قبل أكثر من ثلاثين عاماً، أصبحت النخب الغربية ثملة بنشوة الانتصار المبكرة، وتحدث عن “غطرسة” المسؤولين الغربيين بعد ذلك، ومنهم ميدج ديكتر، عضو المحافظين الجدد في الولايات المتحدة، والتي تحدثت بعد انهيار سور برلين، قائلة: “لقد حان الوقت لنقول: لقد فزنا”، في إشارة إلى انتصار النموذج الاقتصادي النيوليبرالي، للحد الذي دفع عالم السياسة الأمريكي فرانسيس فوكوياما إلى إصدار كتابه المثير للجدل “نهاية التاريخ والرجل الأخير”، معلناً انتصار وسطوة هذا النموذج.

وتابع كاتب الجارديان: “أصبحت الولايات المتحدة وحلفاؤها الآن يتمتعون بسلطة لا ضابط لها ولا رابط، ويمكنهم أن يتصرفوا كجهاز شرطة عالمي. كان هذا غطرسة، وكما يعلم أي شخص مطلع على المأساة اليونانية، فإن العدو تبعه حتماً”.

مغامرات الغرب و”اكتمال الانهيار الأخلاقي”

ومضى الكاتب يقول: “لم تكن الحصانة العسكرية الغربية وحدها هي التي تحطمت بسبب هذه المغامرات المختلفة. إن الازدراء الذي ظهر للقانون الدولي يشكل سابقة عرفت دول أخرى أنها يمكن أن تحذو حذوها، مما شجع على الفوضى العالمية. تشير الأبحاث التي أجرتها جامعة براون إلى أن حوالي 4.5 مليون شخص ماتوا نتيجة لحروب ما بعد 11 سبتمبر. وكان الموت الجماعي الذي جلبته هذه المغامرات، وما صاحبها من انتهاكات حقوق الإنسان التي تجسدت في غوانتانامو وأبو غريب، سبباً في إشعال ازدراء مبرر لادعاءات الغرب بالتفوق الأخلاقي. وقد سعى البعض، مثل فلاديمير بوتين، إلى استخدام هذا الازدراء كذخيرة لعدوانهم”.

وتابع: “فإلى جانب دوره في دعم المذبحة التي ترتكبها إسرائيل في غزة، يتعين على الغرب أن يفكر في الكيفية التي ساهم بها في تعزيز الظروف التي قد تؤدي إلى ظهور شخصية أشبه ببوتين في روسيا”.

 

إن شعور النخب الغربية بالانتصار بعد سقوط سور برلين كان في غير محله. وبعد مرور ثلاثة عقود، أثبتت غطرستهم أنها كارثية، حيث جلبت حروبهم وعقيدتهم الاقتصادية الدماء والفوضى والانحدار، حسب الكاتب.

واختتم الكاتب مقاله بالقول إن غزة هي مجرد ذروة دموية لفقدان الغرب لشرعيته. كان قسم كبير من العالم يشعر بالازدراء بالفعل لمزاعمه الأخلاقية، ولكن لا مجال للتراجع هذه المرة. لقد اكتمل الانهيار الأخلاقي الآن، حيث يمتلئ قسم كبير من الشرق الأوسط وخارجه بالازدراء تجاه حماة إسرائيل.

اقرأ أيضاً: