في بعض الأحيان، يمكن أن تكون هجرة البشر لمكان ما، فرصة لتستعيده الطبيعة، في ظل التهديد غير المسبوق الذي يطال الحياة البرية من النشاط البشري، إذ تشير الأبحاث إلى أنه مع مراعاة المكان والزمان، حتى الأنواع الحيوانية والنباتية التي على وشك الانقراض يمكن أن تعود مرة أخرى، وفق شبكة “سي إن إن” الأمريكية.
واستعرضت “سي إن إن” في تقرير لها عدة أمثلة تثبت أنه بمجرد رحيل البشر عن بعض الأماكن، تتاح للحياة البرية الفرصة للانتقال إليها.
ووجد تقرير صدر عام 2022 بتكليف من منظمة Rewilding Europe غير الربحية أن العديد من أنواع الطيور والثدييات الأوروبية كانت في طريقها للعودة، مما يسلط الضوء على ميل الحياة البرية إلى الانتعاش وإعادة الاستعمار عندما أتيحت لها الفرصة.
في السطور التالية، نلقي نظرة على عدد من الأماكن المهجورة التي استعادتها الطبيعة:
قرية هوتوان – جزيرة شينغشان – الصين
كان عدد سكانها في السابق يفوق 3000 نسمة، لكن موقعها البعيد، الذي يستغرق أكثر من خمس ساعات من السفر إلى البر الرئيسي، جعل من الصعب الحصول على التعليم والوظائف والغذاء. بدأ الناس في النزوح في التسعينيات، وبحلول عام 2002، أصبحت القرية مهجورة تمامًا.
كانت هوتوان في السابق قرية صيد صاخبة، وتقع على جزيرة شينغشان، وهي جزء من أرخبيل تشوشان، وتبدو الآن وكأنها مدينة أشباح ما بعد نهاية العالم.
لقد سمحت عقود من الإهمال للطبيعة باستعادة الأرض، حيث غطت النباتات المتسلقة الخضراء كل ما تبقى وراءها. واليوم، تعد القرية وجهة سياحية شهيرة، حيث تستقبل أكثر من 90 ألف زائر في عام 2021، وفقًا لتقارير إخبارية محلية.
وادي مانجابوروا – نيوزيلندا
بعد الحرب العالمية الأولى، عُرضت الأرض في وادي مانجابوروا بالجزيرة الشمالية لنيوزيلندا على الجنود العائدين من الخدمة العسكرية. افتتحت المستوطنة في عام 1919، وشهدت في ذروتها ما يقرب من 40 جنديًا وعائلاتهم يحاولون العيش على الأرض.
لكن بُعد الوادي وضعف التربة الزراعية أدى إلى هجره بالكامل بحلول منتصف الأربعينيات، مما سمح للغابة بالنمو مرة أخرى وعودة الحيوانات المحلية.
والآن، استعاد المكان ملامحه، وتم استصلاح المنازل والمزارع والمجاري وطريق مانجابوروا، وأدت جهود الزراعة والبستنة السابقة التي قام بها الجنود وعائلاتهم إلى تحول الكثير من الغابات في وادي مانجابوروا إلى أرض عشبية ومستنقعات، مع القليل من أشجار الفاكهة والورد.
يضم الوادي أكبر عدد من طيور الكيوي البني في الجزيرة الشمالية في نيوزيلندا، ويدعم مجموعة من أنواع الطيور بما في ذلك طيور النقشارة الرمادية، وطيور أبو الحناء، وطيور العين الفضية، وطيور الجرس. فيما يضم نهر، يحتوي على 18 نوعًا من الأسماك، بما في ذلك الثعابين وجراد البحر في المياه العذبة والسمك المفلطح الأسود.
معبد تا بروهم – كمبوديا
ظهر هذا المعبد في فيلم أنجلينا جولي عام 2001 “لارا كروفت: تومب رايدر”، ويقع شرق أنغكور توم، العاصمة القديمة لإمبراطورية الخمير، التي قامت في بلاد الهند الصينية بين القرن التاسع والخامس عشر.
تم تشييده في أواخر القرن الثاني عشر كدير بوذي وجامعة، وكان يعيش حوله أكثر من 12500 شخص ويخدمون المعبد، بالإضافة إلى 80000 آخرين في القرى المجاورة. تم التخلي عن المعبد والمناطق الحرجية المحيطة به بعد ثلاثة قرون، عندما نقل الملك عاصمة الإمبراطورية بعيدًا عن أنغكور.
منذ ذلك الحين، تُرك المعبد دون أن يمس إلى حد كبير، مما سمح للأشجار بالنمو في جميع أنحاء المجمع، وأكثرها شهرة هي أشجار التين العملاقة وأشجار البانيان والكابوك التي تغلف جذورها جدران المعبد وتطل على الزوار.
كما ازدهرت الحيوانات في الغابات المحيطة بأنغكور قبل الصيد الجائر والتجارة غير القانونية في القرن الماضي مما أدى إلى انخفاض أعدادها بشكل خطير، ولم يتبق سوى أعداد صغيرة من الأنواع الشائعة بما في ذلك الغزلان المنتجق والخنازير البرية وقطط النمر.
السفينة البخارية يونجالا – أستراليا
بعد أكثر من قرن من الزمان في قاع البحر، شكلت السفينة التجارية التي تعد أكبر حطام سفينة في أستراليا وأكثرها سلامة، نظامًا بيئيًا يوفر موطنًا لبعض أروع الحيوانات في المحيط.
في عام 1911، قبل عام واحد من إبحار سفينة تايتانيك، أغرق إعصار ياسي السفينة إس إس يونجالا في متنزه الحاجز المرجاني العظيم البحري، مما تسبب في فقدان جميع الركاب وأفراد الطاقم البالغ عددهم 122 شخصًا في البحر. لقد كانت واحدة من أكثر الكوارث البحرية مأساوية في تاريخ أستراليا، وبعد البحث الأولي الذي دام سبعة أيام تبين أنها فارغة، لم يتم اكتشاف السفينة حتى تم التعرف عليها في عام 1958.
اليوم، بقايا الحطام الذي يبلغ طوله 109 أمتار مغطاة بالسجاد المرجاني ذو الألوان الزاهية، وهي موطن لمئات الأنواع المختلفة، من السلاحف ضخمة الرأس والشفنينيات الرخامية إلى أسماك القرش الثور وثعابين موراي.
إيلا دي كيمادا جراندي – البرازيل
تقع قبالة ساحل ساو باولو في جنوب شرق البرازيل، وهي جزيرة تحيط بها المنحدرات وتغطيها الغابات الاستوائية المنخفضة والمراعي. وعلى الرغم من صغر حجمها، إلا أنها تعد موطناً لأكبر عدد من الثعابين الذهبية في العالم، والتي يقدر عددها بحوالي 2000، مما أكسبها لقب جزيرة الثعابين.
وبصرف النظر عن الثعابين، تشمل حيوانات الجزيرة الخفافيش والسحالي واثنين من طيور الجواثم المقيمة (طائر النمنمة والموز)، بالإضافة إلى العديد من الطيور المهاجرة والطيور البحرية، مثل طائر الأطيش البني الذي يزور الجزيرة.
في بداية القرن العشرين، كان يسكن الجزيرة ثلاثة أو أربعة من حراس المنارة والبحارة، ولكن تم التخلي عنها منذ عشرينيات القرن العشرين، غير أنها باتت توصف اليوم بـ”كنز بيولوجي”.
اقرأ أيضاً:
وادي “لجب”.. جنة المملكة “الغريبة” التي تعكس عبقرية الطبيعة
جزر فرسان.. تجربة مميزة للاستمتاع بالطبيعة وبساطة الحياة
منها أرشيف الفاتيكان السري.. أغرب الأماكن التي لا يُسمح بزيارتها