لقد تساءل الناس منذ فترة طويلة عما إذا كانت الجثث البشرية في العصر الحديث تستغرق وقتًا أطول للتحلل بسبب إضافة المواد الحافظة إلى الأطعمة التي نتناولها، يعود تاريخ هذا الادعاء إلى عام 1991 على الأقل، عندما نشرت صحيفة ويكلي وورلد نيوز تقريرًا بعنوان “الوجبات السريعة تحافظ على جثث الأمريكيين طازجة مثل زهور الأقحوان!” وزعم المقال أن “مديري الجنازات في جميع أنحاء البلاد أفادوا أن الموتى لا يتحللون في القبور، لأنهم كانوا يأكلون الكثير من الوجبات السريعة المليئة بالمواد الحافظة!”
انتشار الفكرة
انتشرت نسخ أخرى من هذه الفكرة على الإنترنت في السنوات التي تلت ذلك، حيث ظهرت على مواقع مثل Quora و Reddit، بالإضافة إلى مدونة Modern Legends، والتي ورد بها استشهاد بمقال نشرته مجلة الأخبار الأسبوعية الألمانية دير شبيجل عام 2008، والذي أجراه خبير التربة راينر هورن من جامعة كريستيان ألبريشت في كيل بألمانيا، ووجد أن “الجثث لم تعد تتحلل في العديد من المقابر الألمانية، وبدلاً من ذلك، يتحول المتوفون إلى مادة شمعية، وهي عملية غريبة أصبحت متفشية لدرجة أنه لم يعد من الممكن تجاهلها”.
لم يذكر”هورن” في التقرير أن المواد الحافظة الغذائية هي السبب المحتمل لتأخير تحلل الجثة، إذ تم طرح هذه الفكرة ببساطة كنظرية – دون أدلة مثبتة.
لا يوجد دليل لدعم الفكرة
لا يوجد أي بحث موثوق يدعم النظرية القائلة بأن المواد الحافظة الغذائية تؤخر عملية التحلل، ومن غير المعروف أين أو كيف نشأ هذا الاعتقاد الخاطئ على نطاق واسع.
ومن جانبه أكد “نيكولاس باسالاكوا”، الأستاذ المشارك ومدير أنثروبولوجيا الطب الشرعي بجامعة ويسترن كارولينا، أنه لا يوجد دليل يشير إلى أن المواد الحافظة الموجودة في الطعام تؤثر على علمية التحلل إطلاقًا، وكما أشارت أبحاث أخرى، فإن درجة الحرارة وتركيبة تربة المقابر، مثل كمية الرطوبة أو نسبة الأكسجين، كلها عوامل يمكن أن تؤخر عملية التحلل.
وبدلاً من رؤية تأثيرات النظام الغذائي للناس على التحلل، من المحتمل أن الباحثين الألمان في عام 2008 لاحظوا سرعات أبطأ بسبب تربة المقابر، كما قال باسالاكوا لسنوبس “يؤثر تكوين التربة، على وجه التحديد، على تدفق الهواء، واحتباس الماء والسيولة، والنشاط البكتيري على مدى بطء أو سرعة تحلل الجثة.”
عملية التصبن
وأوضح “باسالاكوا” أن الباحثين الألمان في عام 2008 ربما لاحظوا بطء العملية بسبب تربة المقابر، ذلك لأن تركيبة التربة تؤثر بشكل خاص على تدفق الهواء واحتباس الماء ومدى سيولة السوائل والنشاط البكتيري وهي جميعها عوامل تؤثر على سرعة تحلل الجثة.
وقد وصف البحث أن هناك عملية تحدث بعد الموت تسمى التصبن، وهذا ما يحدث عندما تحول التغيرات الكيميائية دهون الجسم إلى مادة شحمية والتي لها قوام الجبن شبه الصلب وقوام شمعي صابوني، إذ لا تخضع الأنسجة المتصبنة لنفس العمليات التي تخضع لها مواد الأنسجة الرخوة النموذجية عندما تتحلل.
العوامل المؤثرة في التحلل
يتأثر التحلل إلى حد كبير بالبيئة التي يُترك فيها الجسم، على سبيل المثال، تعمل درجات الحرارة الأكثر دفئًا على تسريع عملية التحلل، بينما تعمل درجات الحرارة الباردة على إبطاء عملية التحلل، بالإضافة إلى الظروف البيئية، فإن ما تم دفنه يتأثر بمستوى تعرضه للظروف الخارجية، بجانب حالة الجسم – مثل ما إذا كان محترقًا أو في حالة من الاضمحلال بالفعل – إذ يقول باسالاكوا “وبالمثل، إذا تم وضع الجسم في بيئة محرومة من الأكسجين، فسوف يتباطأ معدل التحلل بشكل ملحوظ.”
كما أن الغلاف الذي يوضع فيه الجسم، مثل التابوت الخشبي أو المعدني مقابل القبو الخرساني، سيؤثر أيضًا على سرعة التحلل لأنه يؤثر على تدفق الهواء ووصول البكتيريا إلى الجسم، ولكن إذا تمت معالجة البقايا بمواد كيميائية، مثل تلك المستخدمة أثناء عمليات التحنيط، فسوف تتباطأ عملية التحلل بشكل أكبر.
غياب الدليل
بدون التحنيط، عادة ما يتحلل الجسم البشري المدفون إلى هيكلًا عظميًا، وهي المرحلة النهائية من التحلل، وذلك في غضون 5 سنوات، ولكن في حين أن المواد الحافظة المضافة إلى الطعام قد تؤثر سلبًا على صحة بعض الأشخاص، فإنه لا يوجد دليل على أن المواد الحافظة
تؤخر تحلل الجسم بمرور الوقت.
مدينة ألمانية تكافح تغير المناخ بقشور الكاكاو!
الجثث “غير البشرية” التي عُرضت في المكسيك.. ماذا تقول عن قرب؟
إنتاج أقوى أشعة سينية في العالم يدشن لعصر جديد من الأبحاث الذرية