تعتبر كرة القدم لغة عالمية لا تحتاج إلى مترجم، فبإمكانك تجميع فريق من مختلف أنحاء العالم سيستطيعون اللعب سويًا دون الحاجة للكلام، لكن الساحرة المستديرة كانت في أحيان كثيرة سبب لتفرقة الشعوب وليس تقاربهم بسبب تعصب فئة من جماهيرها، إلا أن التجربة في كوت ديفوار كانت مختلفة فقد صنعت اللعبة صاحبة الشعبية الأولى على مستوى الكوكب، السلام بين الإيفواريين ومنعت حرب أهلية كان سيروح ضحيتها أعداد ضخمة من أبناء الوطن الواحد.
صراع الشمال والجنوب
انقسم أبناء كوت ديفوار إلى قسمين، الأول في الجنوب ويضم أغلبية مسيحية في مقابل الشمال بأغلبية مسلمة، وجاء هذا الانقسام نتيجة موجة من العنف استمرت منذ عام 2002 حتى عام 2004، حيث كان يرى سكان الشمال أنهم مهمشون وأن البلاد لم يحكمها رئيس مسلم من قبل، وهو ما خلق توترات ونزاعات قد تتحول إلى حرب أهلية.
منتخب الأفيال يوحد الأمة
دائمًا يأتي بصيص النور في أحلك الأوقات، فمنتخب كوتديفوار يسير جيدًا في تصفيات كأس العالم، حب الوطن يجمع كل المواطنين خلف الجيل الذهبي لمنتخب الأفيال كما يلقبون أنفسهم، وبالنظر إلى تقسيم الفريق تجد توليفة تنبذ الطائفية وراء ظهرها وتلعب كوحدة واحدة على أرض الملعب بكل حب وتعاون.
كان هذا المنتخب في هذا التوقيت بالذات رمز للوحدة لأنه كان متنوعًا وموهوبًا ومتحدًا، فقد كان يضم كاثوليكيون من الجنوب، مثل إيمانويل إيبوي ، بينما كان هناك آخرون مثل يايا وكولو توري ، وهما مسلمان من شمال البلاد، ويأتي على رأسهم القائد الملهم صاحب الكاريزما ديديه دروجبا المحبوب من الجميع بسبب أدائه المميز داخل المستطيل الأخضر وأخلاقه الرفيعة خارجه.
الجميع كان يحضر مباريات المنتخب دون التفكير بعنصرية أو تمييز ديني يتجاورون في المدرجات، ويهتفون باسم بلادهم ولديهم هدف واحد، حلم وجود الأفيال بين كبار العالم في كرة القدم.
صعود درامي للمونديال
بعد مسيرة جيدة خلال التصفيات والانتصار على المنتخب المصري صاحب التاريخ الكبير قاريًا ذهابًا وإيابًا، ما زال منتخب الأفيال متأخرًا بنقطة عن منافسه الكاميروني وتبقى جولة واحدة، المصير لم يعد بأقدام الإيفواريين، وبالفعل حققوا الفوز وفي انتظار نتيجة الكاميرون التي كانت تواجه مصر في “ياوندي”، وفي بداية المباراةأصحاب الأرض بهدف في الدقيقة 21 واتجهت الأمور إلى صعود الأسود الكاميرونية وتبدد الحلم الإيفواري رويدًا رويدًا حتى الدقيقة 80 من المباراة، عندما أحرزت مصر هدف التعادل عاد الأمل واستمرت الإثارة حتى الدقيقة 94 حيث احتسب الحكم ركلة جزاء لمنتخب الكاميرون كانت كفيلة بإرسالهم للمونديال، لكنها ارتطمت بالقائم الأيسر للحارس المصري، وانتهت المباراة بتعادل غير متوقع للكاميرون على أرضها، وصعد منتخب الأفيال لمنافسات كأس العالم 2006 في ألمانيا لأول مرة في تاريخه.
المنتخب يوجه رسالة سلام للأمة
كان الصعود نقطة تحول للأحداث في ساحل العاج حيث شعر اللاعبون أنهم يملكون الفرصة لإحداث التغيير، وقاموا بالتقاط صورة جماعية يتوسطهم القائد والملهم دروجبا موجهًا رسالة لأبناء شعبه:” رجال ونساء ساحل العاج. من الشمال والجنوب والوسط والغرب ، أثبتنا اليوم أن جميع الإيفواريين يمكنهم التعايش واللعب معًا بهدف مشترك التأهل إلى كأس العالم ووعدنا أن الاحتفال سيوحد الناس اليوم، نرجوكم، على ركبنا “.
وفي مشهد أشبه بالأفلام السينمائية سقط باقي اللاعبين على ركبهم وقالوا:”سامح، سامح، سامح، يجب ألا ينزلق البلد الوحيد في إفريقيا الذي يمتلك الكثير من الثروات إلى الحرب، الرجاء ترك الأسلحة، وإجراء الانتخابات، كل شيء سيكون أفضل”.
وبالفعل نجح المنتخب في إيقاف شلال الدم وشكل القائد دروجبا لجنة الحقيقة والمصالحة، وكان عضو بها أيضًا، وبعد مرور عامين على وقف إطلاق النار أثبت الفريق مرة أخرى التزامه بالسلام، وأصر اللاعبون على أن تلعب مباراتهم النهائية في بواكي في الشمال الذي يسيطر عليه المتمردون، وهي المرة الأولى التي تلعب فيها مباراة هناك منذ بدء الصراع، وبعد فترة وجيزة من الإعلان، تم توقيع اتفاق سلام رسمي بين الفصائل المتناحرة.