أعلنت وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» وشركة «لوكهيد مارتن» نجاح أول اختبار طيران لطائرة X-59 المصممة للتحليق بسرعة تفوق الصوت، مع تقليل الضوضاء المصاحبة لما يُعرف بـ«الانفجار الصوتي»، في خطوة وُصفت بأنها بداية تحول جذري في عالم الطيران التجاري.
وقالت «ناسا» في بيان إن الطائرة قامت برحلة قصيرة انطلقت من منشأة «سكَنكس ووركس» التابعة لـ«لوكهيد مارتن» في مدينة بالمدايل شمال لوس أنجلوس، قبل أن تهبط بالقرب من مركز أرمسترونج لأبحاث الطيران التابع للوكالة.
الرحلة، التي جرت صباح الثلاثاء، لم تتجاوز سرعة الصوت، إذ خُصصت لاختبار سلامة الهيكل واستجابة أنظمة الطائرة. لكن في الوكالة، يُنظر إليها كخطوة مفصلية على طريق إحياء الطيران فوق الصوتي، بعد أكثر من عقدين على توقف «الكونكورد».
ووصفت «لوكهيد مارتن» الهدف من البرنامج قائلة إن الطائرة ستُحدث فقط «خبطًا خفيفًا» بدلاً من الانفجار المدوّي المعتاد.
وبلغ طول الطائرة حوالي 30 مترًا (100 قدم)، لتبدو أقرب إلى صاروخ نحيل بذيل طويل ومقدمة حادة؛ تصميم هندسي مخصص لتفكيك موجات الصدمة وتوزيعها بحيث تتحول من «فرقعة مدوية» إلى «نبضة خفيفة».
رحلة الاختبار لم تكن طويلة؛ طارت قرابة 64 كيلومترًا قبل الهبوط. لكن ما أثار الانتباه هو الرمزية: بعد نحو 80 عامًا على أول رحلة تفوق سرعة الصوت، يعود البشر ليحاولوا التصالح مع الضجيج بدلًا من قبول سرعته كقدرٍ مزعج.
لا ضوضاء بعد اليوم
تحليق الطائرات التجارية بسرعات تفوق سرعة الصوت ليس إنجازًا جديدًا في ذاته؛ فقد تحقق لأول مرة عام 1947، وفق بيانات ناسا. المشكلة كانت دائمًا الضوضاء، حيث كان يهز الانفجار الصوتي المدن ويثير ذعر السكان ويكسر النوافذ، ما أدى إلى حظر الطيران فوق الصوتي فوق اليابسة داخل الولايات المتحدة منذ عقود.
هذا الحظر هو ما أطاح بمستقبل طائرة «الكونكورد» الأسطورية التي شغّلتها «بريتيش إيرويز» و«إير فرانس» بين السبعينيات و2003. فبعد حادث مأساوي عام 2000 وتراجع الطلب على الخدمات باهظة الثمن، توقفت الرحلات نهائيًا.
اليوم، تعود الفكرة نفسها، لكن بوعد السرعة من دون ضجيج. وإذا نجحت ناسا في إقناع الجهات التنظيمية بأن ضوضاء «الطرق الصوتية الهادئة» مقبولة، يمكن أن يظهر جيل جديد من طائرات الركاب السريعة التي تختصر الزمن بين السواحل الأمريكية للنصف تقريبًا.
سلاح البحث.. وهدف تجاري
برنامج «X-59» لا يهدف إلى إطلاق طائرة تجارية مباشرة، بل إلى جمع بيانات واقعية تُقنع إدارة الطيران الفيدرالية بإعادة النظر في القواعد المنظمة للطيران فوق الصوتي.
وقالت ناسا إن هذا الجهد الممتد لسنوات يركز على «إيجاد طريقة لتجاوز الضوضاء وفتح الباب أمام لوائح جديدة، تمهيدًا لعودة السفر فوق الصوتي داخل الولايات المتحدة».
خلال الشهور المقبلة، ستجري ناسا سلسلة من الرحلات التجريبية فوق مناطق مختارة من الولايات المتحدة، مع قياس ردود فعل السكان حول مستوى الضوضاء. هذه البيانات ستكون محور الضغط لإعادة صياغة القواعد التنظيمية.
وإذا سارت الأمور كما تخطط الوكالة، فإن العقد المقبل قد يشهد عودة الطيران فوق الصوتي إلى السماء المدنية، لكن هذه المرة هادئًا.. ومستدامًا اقتصاديًا.














