في إنجاز علمي غير مسبوق، اكتشف باحثون في جامعة شيكاغو تقنية جديدة تمكنهم من تخزين البيانات بكميات هائلة داخل مكعب بحجم المليمتر.
تعتمد التقنية الجديدة على استخدام الذرات الفردية المفقودة داخل البلورات كخلايا ذاكرة، مما يتيح حفظ تيرابايت من المعلومات في مساحة صغيرة جدًا.
على مر العقود، تطورت تقنيات تخزين البيانات من البطاقات المثقوبة التي استخدمت في القرن التاسع عشر إلى تقنيات حديثة تعتمد على الترانزستورات في الحواسيب والهواتف الذكية، لكن التحدي الدائم كان في تقليل حجم وحدات التخزين مع زيادة سعتها.
الآن، مع اكتشاف طريقة جديدة تعتمد على الذرات الفردية، يمكن تجاوز هذا التحدي وتحقيق طفرة نوعية في هذا المجال.
أوضح الدكتور تيان تشونج، الأستاذ المساعد في الهندسة الكهربائية والإلكترونية بجامعة شيكاغو، أن كل خلية ذاكرة في هذا النظام تمثل ذرة مفقودة واحدة داخل البلورة، مما يسمح بتخزين كميات هائلة من البيانات داخل مكعب صغير لا يتجاوز حجمه المليمتر الواحد، حيث تعتمد هذه التقنية الفريدة على استغلال العيوب البلورية على المستوى الذري لإنشاء نظام متطور لتخزين البيانات.
يستند هذا الابتكار إلى التقنيات الكمومية التي لطالما شكلت محور الأبحاث في مجال الحوسبة، وعلى الرغم من أن النظام الجديد لا يعتمد كليًا على الحوسبة الكمومية، إلا أنه يستفيد من المبادئ الأساسية للميكانيكا الكمومية لتحسين كفاءة تخزين البيانات.
الباحثون وجدوا أن دمج فيزياء الحالة الصلبة مع التخزين البصري يتيح إمكانية إنشاء نظام متطور قادر على حفظ البيانات في مكعب صغير بكفاءة عالية.
البحث الذي أدى إلى هذا الاكتشاف بدأ أصلاً كدراسة على أجهزة قياس جرعات الإشعاع، حيث كان العلماء يدرسون كيفية تخزين الإشعاع الممتص من قبل العاملين في المستشفيات والمختبرات.
ولاحظ الباحث ليوناردو فرانسا، وهو أحد رواد المشروع، أن هذه العملية يمكن الاستفادة منها في تخزين البيانات، وباستخدام هذه الفكرة، تمكن الباحثون من تحويل البلورات إلى وحدات تخزين متطورة تعتمد على الضوء.
يتم تفعيل النظام الجديد عبر استخدام الليزر لتخزين واسترجاع المعلومات من داخل البلورات، فعند تسليط الليزر على البلورة، تتحرر الإلكترونات والثقوب من الذرات المفقودة، مما يسمح بحفظ المعلومات واسترجاعها بكفاءة عالية.
هذه الطريقة لا تعتمد على الأشعة السينية أو أشعة جاما كما هو الحال في قياس جرعات الإشعاع، بل تستخدم أشعة الليزر فوق البنفسجية لتشغيل النظام، مما يجعلها أكثر أمانًا وكفاءة.
يعتمد هذا النظام على إضافة أيونات العناصر الأرضية النادرة إلى البلورات، مثل البراسيوديميوم وأكسيد الإيتريوم، مما يساعد في تحسين كفاءة التخزين.
توفر هذه العناصر خصائص بصرية فريدة، حيث تتيح إمكانية التحكم في عمليات التخزين واسترجاع البيانات عبر الضوء، مما يجعل تخزين البيانات أكثر دقة واستدامة.
عند تفاعل الليزر مع البلورة، يتم تحرير الإلكترونات التي يتم احتجازها داخل العيوب البلورية، وتشبه هذه العملية إلى حد كبير طريقة عمل وحدات التخزين التقليدية، ولكن على مستوى ذري أكثر تطورًا.
وتمكن الباحثون من ضبط هذه العيوب بحيث يمكنها الاحتفاظ بالمعلومات لفترات طويلة، مما يجعلها بديلاً مستقبليًا لأنظمة التخزين الحالية.
بفضل هذه التقنية المبتكرة، تمكن الباحثون من تخزين مليار بت من المعلومات داخل مكعب صغير لا يتجاوز حجمه المليمتر الواحد.
قد تؤدي هذه القدرة الفائقة على تخزين البيانات في مساحات صغيرة جدًا إلى طفرة في مجالات عدة، مثل الذكاء الاصطناعي، والأجهزة الذكية، والسحابة الإلكترونية، حيث يمكن الاستفادة من هذه التقنية لتطوير أنظمة تخزين بيانات فائقة الكفاءة.
يعتبر هذا الابتكار نقلة نوعية في تخزين البيانات، حيث يفتح المجال أمام استخدام تقنيات جديدة تعتمد على الذرات والعيوب البلورية لحفظ المعلومات بكفاءة غير مسبوقة.
ومع استمرار الأبحاث في هذا المجال، قد نشهد قريبًا أجهزة تخزين تعتمد على هذه التقنية، مما سيغير الطريقة التي نتعامل بها مع البيانات في المستقبل.
رغم أن هذه التقنية لا تزال في مراحلها الأولى، إلا أنها تمثل بداية حقبة جديدة في عالم تخزين البيانات، حيث إن الاعتماد على العيوب البلورية والليزر والعناصر الأرضية النادرة قد يتيح فرصًا هائلة لتطوير أجهزة تخزين أكثر كفاءة واستدامة.
وفي حال استمرار الأبحاث في هذا الاتجاه، فقد نرى قريبًا أجهزة تخزين تعتمد على حفظ البيانات في مكعبات صغيرة، مما قد يُحدث ثورة تقنية غير مسبوقة.
يمكنك أن تقرأ أيضًا:
الذكاء الاصطناعي يخترع مادة نانوية جديدة.. أمتن من الفولاذ وأخف من الفوم