لطالما كان الكلاسيكو بين برشلونة وريال مدريد الحدث الكروي الأبرز في إسبانيا، بل ربما في العالم بأسره. فإلى جانب الصراع الكروي والتكتيكي، تحتل التفاصيل الجمالية والرمزية مكانة لافتة في هذه المواجهة التاريخية، وأحد أبرز تلك التفاصيل هو زي الفريقين.
قمصان الفريقين لم تكن مجرد ألوان تُرتدى داخل المستطيل الأخضر، بل رموزًا لهوية وتاريخ، تعكس المزاج العام للمرحلة، وتخاطب الجماهير قبل صافرة البداية. ومع تنوع التصاميم وتطور الموضة والابتكار البصري، برزت بعض القمصان في الذاكرة الجماعية كمحبوبة أو مثيرة للجدل، بل حتى مخيبة للآمال.
في هذا التقرير، نستعرض أبرز القمصان التي طبعت مواجهات الكلاسيكو في ذاكرتنا – سواء للأفضل أو للأسوأ – كما صنّفها تقرير لموقع ESPN.
في موسم شهد أفضل نسخ برشلونة عبر تاريخه بقيادة بيب غوارديولا، ارتدى لاعبو الفريق قميصًا أزرقًا وأحمر بتصميم تقليدي كلاسيكي، لكنه نُفذ بعناية فائقة من “نايكي”، دون أي عناصر مشتتة. وسرعان ما أصبح هذا القميص أيقونيًا، لأنه ارتبط بأداء خرافي في ملعب كامب نو، حين سحق البارسا غريمه ريال مدريد بخماسية نظيفة في نوفمبر 2010.
البساطة في التصميم كانت سرًا من أسرار فاعليته البصرية. شعار “اليونيسيف” على الصدر، والألوان النقية، ومن دون خطوط إضافية أو تغييرات جذرية – كانت كلها عوامل عززت من مكانة القميص في الذاكرة.
في الموسم الذي تُوّج فيه ريال مدريد بالدوري الإسباني تحت قيادة جوزيه مورينيو، ارتدى الفريق قميصًا ناصع البياض مزينًا بخطوط ذهبية أنيقة على الأكمام والياقة. تصميم “أديداس” آنذاك مزج بين الطابع الكلاسيكي واللمسات العصرية، ما جعله من أكثر القمصان شهرة في تاريخ النادي.
القميص عكس الهيبة الملكية لنادٍ يعتز كثيرًا بهويته، وارتبط بذكريات حاسمة منها الانتصار على برشلونة في كامب نو بنتيجة 2-1.
بعد عدة تجارب بتصاميم غير تقليدية، عاد برشلونة إلى الخطوط العمودية التقليدية في موسم 2016-2017. القميص حمل تدرجات رائعة للونين الأزرق والأحمر، مع شعار نايكي بخياطات ذهبية رفيعة وشعار “راكوتين” الجديد في المنتصف لاحقًا.
هذا القميص ارتبط بإحدى أكثر مباريات الكلاسيكو إثارة: فوز برشلونة في سنتياغو برنابيو بنتيجة 3-2 في الثواني الأخيرة بهدف ليونيل ميسي الشهير، حين خلع قميصه ورفعه أمام جمهور الريال.
قميص أديداس الأبيض مع الخطوط الرمادية الرقيقة على الأكتاف والنسيج اللامع، ارتبط بجيل “الغالاكتيكوس” الذي ضم زين الدين زيدان، راؤول، فيغو، وكارلوس.
مع هذا القميص، فاز ريال مدريد على برشلونة في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا 2002، في كامب نو، ليواصل طريقه نحو التتويج باللقب في غلاسكو.
للمرة الأولى منذ تأسيسه، قرر برشلونة أن يستبدل الخطوط العمودية بخطوط مربعة في تصميم شبيه بألواح الشطرنج. القميص أثار جدلاً واسعًا، ولم يلق ترحيبًا من الجماهير، لا سيما بعد تعادل الفريق أمام ريال مدريد في كامب نو، وخسارته في البرنابيو.
ورغم جرأة هذا التصميم، فقد افتقد للهوية البصرية المعتادة للفريق، ما جعله من أكثر التصميمات غير المحبوبة.
صدمت “أديداس” جماهير الملكي عندما صممت قميصًا ثالثًا للفريق باللون البنفسجي القاتم. القميص ارتُدي أمام برشلونة في ملعب الكامب نو، وخسر الريال تلك المباراة 2-1. التصميم لم يتناسب مع هوية الفريق، واعتُبر شاذًا عن المألوف.
رغم أنه قُدم كـ “قميص عصري”، إلا أن عدم ارتباطه باللون الأبيض أو حتى الأزرق الداكن المعروف، جعله من أكثر القمصان المنسية.
في محاولة أولى لإظهار الشراكة مع منظمة “اليونيسيف”، ظهر برشلونة بقميص خالٍ من الإعلانات في المقدمة لكنه حمل شعار المنظمة في الخلف. التصميم لم يكن سيئًا بحد ذاته، لكن افتقاده للعناصر المتناسقة جعله يبدو كنسخة غير مكتملة!
قد يعتقد البعض أن اختيار الجماهير لقميص فريقها المفضل يعتمد فقط على جمال التصميم وألوانه، لكن الواقع يثبت أن العلاقة بين المشجع والقميص أعمق بكثير. فالجماهير لا ترى القميص مجرد قطعة ملابس، بل امتدادًا لتاريخ وهوية الفريق، ومرآة تعكس الذكريات والانتصارات والهزائم.
هذا الارتباط العاطفي الذي يصل أحيانًا إلى حد التعصب، له أسباب متعددة تدفع الجمهور إلى تبني قميصٍ معين، أو رفضه بشكل قاطع.
في عالم كرة القدم، تتعلق الذاكرة الجماعية للمشجعين ارتباطًا مباشرًا بما حدث أثناء ارتداء فريقهم لقميص معين. فقميص برشلونة في موسم 2010-2011 لم يكن محبوبًا فقط بسبب ألوانه التقليدية وتصميمه البسيط، بل لأنه ارتبط بواحدة من أفضل فترات النادي على الإطلاق، حين فاز برشلونة بخماسية تاريخية في شباك ريال مدريد، وأمتع جماهيره بأسلوب لعب لا يُنسى تحت قيادة المدرب بيب غوارديولا.
وفي الجهة الأخرى، هناك قمصان، رغم جمالية تصميمها، لا تلقى قبولًا جماهيريًا لأنها ارتبطت بلحظات حزينة، مثل خسارة بطولة مهمة أو هزيمة ثقيلة. مثال ذلك القميص البنفسجي الداكن لريال مدريد في عام 2013، والذي لم يستحسنه الجمهور، ليس فقط لأنه غريب عن هوية النادي، بل أيضًا لأنه شهد خسارة قاسية أمام برشلونة.
الجمهور الرياضي مرتبط بهوية ناديه بشكل وثيق، ويحب رؤية فريقه بألوانه الأصلية وتقاليده التاريخية. وعندما تقرر الأندية إجراء تغييرات جذرية على تصاميم قمصانها، قد يقابلها الجمهور برد فعل سلبي جدًا. ولعل أبرز مثال على ذلك، هو قميص برشلونة في موسم 2019-2020، حين قرر النادي استبدال الخطوط العمودية التقليدية بأشكال مربعة تشبه رقعة الشطرنج. ورغم جرأة الفكرة، رفضت الجماهير التصميم فورًا لأنه خرج عن تقاليد امتدت لعقود.
بالمقابل، تستقبل الجماهير بحفاوة كبيرة القمصان التي تحترم هوية النادي وتحافظ على شكله التقليدي مع لمسات عصرية بسيطة، مثل قميص ريال مدريد الأبيض بخطوطه الذهبية الأنيقة في موسم 2011-2012.
التصاميم البسيطة دائمًا تكون أكثر جاذبية للجمهور، حيث تميل إلى إبراز الهوية بوضوح وبدون تعقيدات. وعادةً ما تلاقي القمصان ذات الألوان النقية والخطوط الواضحة قبولًا واسعًا، لأنها مريحة للنظر، وسهلة في الارتباط العاطفي.
أما التصاميم المعقدة أو الغريبة التي تحتوي على أنماط ورسومات متعددة، فإنها تُشتت الانتباه وتخلق فجوة بين الجمهور والقميص. وتاريخ الكلاسيكو يزخر بأمثلة واضحة، حيث أثارت التصاميم التجريبية لبرشلونة أو ريال مدريد في بعض المواسم ردود فعل سلبية من المشجعين، رغم نية المصممين بتقديم أفكار جديدة ومبتكرة.
لا يمكن الحديث عن القمصان دون ذكر النجوم الذين يرتدونها. فاللاعب الذي يقدم أداءً تاريخيًا أو يسجل هدفًا حاسمًا يساهم بشكل مباشر في تحويل القميص إلى رمز تاريخي. لا أحد ينسى قميص برشلونة لموسم 2016-2017، الذي خلعه ليونيل ميسي ورفعه أمام جماهير ريال مدريد بعد هدفه في اللحظة الأخيرة، فأصبح هذا القميص رمزًا لذلك الانتصار ولتألق ميسي.
بالمقابل، قد يصبح القميص مكروهًا إذا ارتبط بلاعبين خيبوا آمال الجماهير أو تسببوا بخسائر محبطة، ليصبح القميص تذكيرًا دائمًا بتلك اللحظات المؤلمة.
لا تقتصر علاقة المشجعين بالقميص على الملاعب فقط، بل تمتد للأسواق أيضًا. فمبيعات القمصان تعكس مدى قبول الجماهير للتصميم الجديد. القمصان التي تحظى بإقبال جماهيري كبير تصبح جزءًا من نجاح النادي التجاري والرياضي، في حين تؤدي المبيعات الضعيفة لقمصان أخرى إلى إشارة واضحة على رفض الجماهير لتلك التصاميم.
اقرأ أيضًا:
هل تسبب جنود “فرانكو” في فوز ريال مدريد على برشلونة بـ 11هدفًا؟
