كشف باحثون عن إمكانية الحد بشكل كبير من حرائق بطاريات الليثيوم أيون عبر تعديل بسيط في تصميمها، ما قد يساهم في تعزيز السلامة في الأجهزة الإلكترونية والمركبات الكهربائية. وتستخدم بطاريات الليثيوم أيون في هواتفنا الذكية، والسيارات، والدراجات الكهربائية، وتعد آمنة في الظروف الطبيعية، إلا أن آلاف الحوادث الموثقة تظهر قابليتها للاشتعال أحيانًا، ما يؤدي أحيانًا إلى أضرار مادية كبيرة وإصابات.
وتحتوي هذه البطاريات على إلكتروليتات سائلة قابلة للاشتعال، وهي محاليل من أملاح الليثيوم مذابة في مذيبات عضوية تتيح انتقال الشحنة الكهربائية. وتصبح البطاريات غير مستقرة عند تعرضها للتلف المادي، والشحن الزائد، ودرجات الحرارة القصوى، أو عيوب التصنيع، مما قد يؤدي إلى ارتفاع حرارتها بشكل مفاجئ وحدوث ما يعرف بـ"الهروب الحراري"، وهو تفاعل متسلسل ينتج عنه الاشتعال.
ويمثل قطاع الطيران التجاري حالة خاصة من المخاطر، حيث يؤدي أي حريق في البطاريات إلى تهديد سلامة الركاب والشحن على حد سواء. ومنذ سنوات، تحظر إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية (FAA) حمل البطاريات الاحتياطية في الأمتعة المسجلة، مع إلزام وجود جميع البطاريات المحمولة في مقصورة الركاب ضمن متناول اليد. وفي عام 2024، سجلت الإدارة 89 حادثة تتعلق بالبطاريات على متن الطائرات، تضمنت دخانًا، حرائق أو ارتفاع درجات الحرارة، تلاها 38 حادثة في النصف الأول من 2025. ويظهر مثال طائرة إيرباص A321 التي التهمتها النيران في يناير في بوسان بكوريا الجنوبية مدى خطورة هذه الحوادث، حيث يُعتقد أن سبب الحريق كان بطارية متنقلة مخزنة في الحجرة العلوية.
ولا تقتصر المخاطر على الطائرات، بل تمتد إلى المنازل والشركات، خصوصًا تلك التي تستخدم الدراجات الكهربائية والدراجات البخارية. فقد كشفت دراسة لشركة التأمين Aviva في المملكة المتحدة عام 2024 أن أكثر من نصف الشركات التي شملها الاستطلاع واجهت حوادث تتعلق ببطاريات الليثيوم أيون، مثل الشرر أو الحرائق أو الانفجارات.
تصميم جديد يوازن بين الأداء والسلامة
يعمل الباحثون عالميًا على تطوير بطاريات أكثر أمانًا، بما في ذلك استبدال الإلكتروليت السائل بمادة صلبة أو هلامية مقاومة للاشتعال، إلا أن هذه الحلول تتطلب تغييرات كبيرة في خطوط الإنتاج، ما يبطئ اعتمادها على نطاق واسع.
وفي هذا السياق، قدم فريق من الجامعة الصينية في هونغ كونغ تصميمًا جديدًا يمكن دمجه بسرعة مع أساليب التصنيع الحالية، عبر تعديل المواد الكيميائية في محلول الإلكتروليت دون الحاجة إلى تغيير كامل في الإنتاج. وقادت يو صن، الباحثة المشاركة في الدراسة والمنتمية الآن لجامعة فيرجينيا للتقنية، هذا المشروع، مؤكدة أن التحدي الرئيسي يتمثل في تحقيق توازن بين الأداء والسلامة، حيث تعمل البطارية بأداء عالٍ في درجات الحرارة العادية، بينما توفر حماية من الهروب الحراري عند ارتفاع الحرارة.
ويعتمد التصميم الجديد على إلكتروليت يحتوي على مذيبين: الأول يحافظ على بنية البطارية مستقرة عند درجة حرارة الغرفة، والثاني يتدخل عند التسخين لمنع التفاعل المتسلسل الذي يسبب الحرائق. وأظهرت الاختبارات أن البطارية التي تم ثقبها لم تتجاوز حرارتها 3.5 درجات مئوية، مقارنةً بارتفاع يصل إلى 555 درجة مئوية في البطاريات التقليدية، مع احتفاظها بأكثر من 80% من سعتها بعد 1000 دورة شحن.
وأكد يي تشون لو، أستاذ الهندسة الميكانيكية في الجامعة الصينية في هونغ كونغ وأحد مؤلفي الدراسة، أن هذا التعديل يمكن تطبيقه مباشرة في البطاريات التجارية عبر استبدال الإلكتروليت، دون الحاجة لتغيير الأقطاب الكهربائية أو المعدات الحالية. وأضاف أن زيادة تكلفة التصنيع ستكون طفيفة للغاية، ومن المتوقع أن تكون مماثلة لأسعار البطاريات الحالية عند الإنتاج بكميات كبيرة.
ويعمل الفريق حاليًا على مفاوضات مع مصنعي البطاريات لطرح التصميم في الأسواق خلال فترة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات. كما أشار لو إلى أن البطارية الجديدة صممت لتشغيل أجهزة لوحية، لكن يتطلب الأمر اختبارات إضافية لتوسيع نطاق التصميم ليشمل البطاريات المستخدمة في السيارات.
وحظي التصميم الجديد بترحيب باحثين مستقلين في مجال سلامة البطاريات. حيث وصف دونال فينيغان من المختبر الوطني الأمريكي للطاقة المتجددة البطارية بأنها ابتكار واعد يحقق السلامة والأداء معًا، ويتيح الاعتماد على نطاق واسع في الأنظمة التجارية. واعتبر غاري كونيغ من جامعة فيرجينيا أن الحل عملي وقابل للتطبيق بسرعة في خطوط الإنتاج، فيما أشار خورخي سيميناريو من جامعة تكساس إلى أن التصميم يمثل حلاً مبتكرًا لمشكلة حرجة في بطاريات الليثيوم أيون عالية الطاقة.
اقرا أيضًا:
"بطاريات مائية" قابلة لإعادة التدوير ولا تشتعل
الذكاء الاصطناعي يكتشف 5 بدائل واعدة لبطاريات الليثيوم
الصين تهيمن على إعادة تدوير بطاريات السيارات الكهربائية
