ما الذي يجعل الشمس -مصدر الحياة- تتحول فجأة إلى قوة جامحة قد تشل التكنولوجيا على الأرض؟ سؤال يفرض نفسه بعد الانفجار الهائل الذي رصدته أقمار «ناسا» الأربعاء ماضي، حين اندفع قوس من البلازما المتوهجة من حافة الشمس الشمالية الشرقية، ممتدًا لمسافة تكفي لعبور 30 كوكبًا بحجم الأرض، وبارتفاع يتجاوز 12 ألف ميل.
تسببت شظية شمسية ضخمة، تُعرف بـ«الخيط الشمسي (Solar Filament)»، في هذه الظاهرة النادرة، إذ انكسرت فجأة وأطلقت كتلة هائلة من الجسيمات تُسمى «قذف الكتلة الإكليلية» (CME). وصف عالم الفلك توني فيليبس المشهد قائلًا: «انطلقت بقايا الخيط عبر الغلاف الشمسي، نحتت واديًا من النار يبلغ طوله أكثر من 248 ألف ميل، فيما ارتفعت جدرانه المتوهجة لمسافة تفوق 32 ألف ميل».
رغم أن هذا الانفجار لم يصطدم مباشرة بالأرض، حذرت الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) من احتمال انقطاع موجات الراديو بنسبة 60٪، نتيجة النشاط الشمسي المتزايد.
هذا التحذير يعيد إلى الأذهان عواصف شمسية سابقة، مثل تلك التي وقعت في مايو الماضي وأشعلت الشفق القطبي فوق سماء الولايات المتحدة، من كاليفورنيا إلى ألاباما، وأثارت مخاوف بشأن الأقمار الصناعية وشبكات الطاقة.
يأتي هذا الحدث في ذروة دورة النشاط الشمسي الحالية، وهي فترة تتكرر كل 11 عامًا، وتشهد تصاعدًا في الانفجارات الشمسية واضطرابات الحقول المغناطيسية.
ويشير العلماء إلى أن الانفجارات مثل CME يمكنها، عند اصطدامها بالأرض، إحداث «عاصفة مغناطيسية» قد تُعطل أنظمة GPS، وتسبب انقطاعات كهربائية واسعة.
ويشير القائمون على مشروع «سوهو» (SOHO)، وهو تعاون بين «ناسا» ووكالة الفضاء الأوروبية، يتابع الشمس بدقة منذ عقود، إلى أن الانفجارات المشابهة لما حدث الأربعاء ليست جديدة، لكنها باتت أكثر تواترًا مع بلوغ الدورة الشمسية ذروتها.
وكان انفجار مايو الماضي أكبر، إذ امتد لنحو 600 ألف ميل، أي أكثر من ضعف المسافة بين الأرض والقمر.
المفارقة أن المشهد الذي بدا جماليًا في الصور والفيديوهات، حيث تتراقص ألسنة البلازما في أجنحة عملاقة، يخفي خلفه خطرًا متصاعدًا على البنية التكنولوجية التي يعتمد عليها العالم اليوم.
وبينما لا تزال الأرض في مأمن هذه المرة، فإن تحذيرات العلماء تعكس قلقًا من انفجارات مستقبلية قد تكون أكثر شدة وتأثيرًا.