افتتح قادة دول الخليج العربي في الخامس والعشرين من مايو عام 1981 اجتماعًا تاريخيًا في أبوظبي، ليُعلنوا عن تأسيس مجلس التعاون الخليجي، وهي منظمة إقليمية وُلدت من رحم الروابط الخاصة والسمات المشتركة بين ستة أعضاء مؤسسين.
وتمثل هذه المنظمة، التي تتخذ من الرياض مقرًا لها، تجسيدًا مؤسسيًا لواقع تاريخي واجتماعي وثقافي عميق، بهدف تحقيق التنسيق والتكامل والترابط في جميع الميادين وصولاً إلى الوحدة بين دولها.
تعريف وأهداف مجلس التعاون لدول الخليج العربية
يعرف مجلس التعاون الخليجي بأنه منظمة إقليمية سياسية واقتصادية وثقافية وأمنية، تتكون من ست دول عربية خليجية هي المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين، ودولة الكويت، وسلطنة عمان، ودولة قطر.
وتتخذ هذه الدول من النظام الأساسي للمجلس وثيقة مرجعية لها، حيث يحدد أهدافه الرئيسية في المادة الرابعة.
وتتمثل الأهداف الأساسية لمجلس التعاون الخليجي في تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين، وصولاً إلى وحدتها المنشودة.
ويشمل ذلك تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات، بالإضافة إلى وضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين.
سعى المجلس لوضع أنظمة متماثلة تشمل الشؤون الاقتصادية والمالية، والشؤون التجارية والجمارك والمواصلات، والشؤون التعليمية والثقافية، والشؤون الاجتماعية والصحية، والشؤون الإعلامية والسياحية، وأخيرًا الشؤون التشريعية والإدارية.
وإلى جانب ذلك، يهدف المجلس إلى دفع عجلة التقدم العلمي والتقني في مجالات حيوية كالصناعة والتعدين والزراعة والثروات المائية والحيوانية، مع إنشاء مراكز بحوث علمية وإقامة مشاريع مشتركة وتشجيع تعاون القطاع الخاص، ما يعود بالخير والنماء على شعوب المنطقة.
البواعث التاريخية لإنشاء مجلس التعاون الخليجي
عقد قادة الدول الست اجتماعًا تاريخيًا في أبوظبي بتاريخ 21 رجب 1401هـ الموافق 25 مايو 1981م.
وتوصل القادة في ذلك الاجتماع إلى صيغة تعاونية إقليمية تهدف إلى تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين دولهم في جميع الميادين، ولم يكن هذا القرار وليد اللحظة، بل جاء تجسيدًا مؤسسيًا لواقع تاريخي واجتماعي وثقافي عميق.
وتتميز دول مجلس التعاون الخليجي بعمق الروابط الدينية والثقافية، والتمازج الأسري بين مواطنيها، وهي عوامل تقارب وتوحيد عززتها الرقعة الجغرافية المنبسطة عبر البيئة الصحراوية الساحلية التي يسرت الاتصال والتواصل وخلقت ترابطًا وتجانسًا في الهوية والقيم.
ويعتبر تأسيس المجلس استمرارًا وتطويرًا وتنظيمًا لتفاعلات قديمة وقائمة، وبالإضافة إلى ذلك، يمثل المجلس ردًا عمليًا على تحديات الأمن والتنمية في المنطقة، واستجابةً لتطلعات أبناء المنطقة لنوع من الوحدة العربية الإقليمية.
الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي
تتألف عضوية مجلس التعاون الخليجي من ست دول ذات سيادة، لكل منها سماتها الجغرافية وأنظمة حكمها المميزة.
تتكون الإمارات العربية المتحدة من سبع إمارات، وتتميز بتنوعها الجغرافي من الكثبان الرملية الشاهقة إلى الواحات الطبيعية والجبال الحادة.
وتعد مملكة البحرين مملكة دستورية تقع في قلب الخليج العربي، وتتميز بتاريخها العريق ونظام حكمها الملكي الدستوري الوراثي الذي يقوم على الديمقراطية والفصل بين السلطات.
أما المملكة العربية السعودية، فهي دولة عربية إسلامية ذات سيادة، ودستورها هو الكتاب والسنة، ونظام الحكم فيها ملكي يقوم على أساس الشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية.
العضو الرابع سلطنة عمان، تقع في أقصى الجنوب الشرقي لشبه الجزيرة العربية، وتسيطر على مضيق هرمز الاستراتيجي، وتطل على ساحل يمتد لآلاف الكيلومترات، مما منحها أهمية تجارية بحرية تاريخية، في حين أن دولة قطر هي شبه جزيرة مستقلة ذات سيادة في الخليج العربي، وبرزت كإحدى أكثر منتجي النفط والغاز أهمية في العالم منذ استقلالها في عام 1971.
وأخيرًا، دولة الكويت التي تتميز بنظام حكم أميري ديمقراطي، يمزج بين النظام البرلماني والرئاسي، حيث يترأسها الأمير وتُشرع قوانينها عبر مجلس الأمة المنتخب.
الهيكل التنظيمي وأجهزة مجلس التعاون الخليجي
يعتمد مجلس التعاون الخليجي على هيكل تنظيمي مكون من ثلاثة أجهزة رئيسية لضمان سير العمل وتحقيق الأهداف الطموحة.
يُعد المجلس الأعلى السلطة العليا للمجلس، ويتكون من رؤساء الدول الأعضاء، وتكون رئاسته دورية حسب الترتيب الهجائي لأسماء الدول.
ويجتمع المجلس في دورة عادية كل سنة، ويجوز عقد دورات استثنائية، ويختص بوضع السياسة العليا للمجلس والخطوط الأساسية التي يسير عليها، والنظر في القضايا والتوصيات لاعتمادها، بالإضافة إلى تعيين الأمين العام وتعديل النظام الأساسي.
وتصدر قرارات المجلس في المسائل الموضوعية بإجماع الدول الأعضاء الحاضرة المشتركة في التصويت، بينما تصدر في المسائل الإجرائية بالأغلبية، مما يؤكد على أهمية التوافق في القضايا الجوهرية، وتتبعه الهيئة الاستشارية المكونة من ثلاثين عضوًا لتقديم الخبرة، وهيئة تسوية المنازعات.
أما المجلس الوزاري، فيتكون من وزراء خارجية الدول الأعضاء، ويعقد اجتماعاته مرة كل ثلاثة أشهر، وتشمل اختصاصاته اقتراح السياسات ووضع التوصيات الهادفة لتطوير التعاون، بالإضافة إلى التهيئة لاجتماعات المجلس الأعلى وإعداد جدول أعماله.
وثالثًا، الأمانة العامة التي تمثل الجهاز الإداري للمجلس ومقرها مدينة الرياض، وتتلخص اختصاصاتها في إعداد الدراسات الخاصة بتعزيز التعاون والتنسيق، ومتابعة تنفيذ القرارات، والتحضير للاجتماعات.
ويتألف الهيكل التنظيمي للأمانة العامة من أمين عام يعينه المجلس الأعلى، وخمسة أمناء مساعدين للشؤون السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والتشريعية، ويتبع الأمناء المساعدون عددًا من القطاعات والإدارات التخصصية، مثل مركز مجلس التعاون لإدارة حالات الطوارئ وجهاز الشرطة الخليجية.
الاختلافات الجوهرية بين مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية
ينبغي التفريق بين طبيعة عمل مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية، على الرغم من أن الدول الست أعضاء في المنظمتين.
يظهر الفرق الأول في نطاق العضوية؛ فبينما يقتصر نطاق عضوية المجلس على ست دول خليجية فقط، تأسست الجامعة العربية في عام 1945 وتضم حاليًا 22 دولة عربية، شاملة الدول الست.
ويؤدي هذا التباين في العدد إلى اختلاف في مستوى التعاون، فيسعى مجلس التعاون الخليجي إلى تحقيق مستوى عميق من التكامل والوحدة، مستندًا إلى التجانس الكبير بين أعضائه نتيجة القرب الجغرافي والتشابه في أنظمة الحكم والظروف الاقتصادية والاجتماعية.
وعليه، فإن المجلس يركز على وضع أنظمة متماثلة وموحدة في الجمارك، والمواصلات، والتشريعات الاقتصادية والمالية.
في المقابل، تُعد جامعة الدول العربية منظمة إقليمية واسعة تهدف بالأساس إلى التنسيق العام للسياسات بين دول متباينة جدًا في أنظمتها وظروفها الاقتصادية والاجتماعية.
ولذلك، فإن مستوى التعاون في الجامعة العربية أوسع نطاقًا ولكنه أقل عمقًا وتأثيرًا مباشرًا على الأنظمة الداخلية للدول الأعضاء مقارنة بما يسعى إليه المجلس.
ويعد الفرق في الهدف الرئيسي واضحًا؛ حيث يستهدف مجلس التعاون الخليجي التكامل والترابط وصولاً للوحدة، بينما تركز الجامعة العربية على التنسيق ودعم القضايا العربية المشتركة، ما يجعل المجلس منظمة أكثر تركيزًا ووظيفية على الصعيد الإقليمي الخليجي.














