قصة جيفري إبستين.. رحلة عبر عالم الثراء الفاسد

نوفمبر ٢٤, ٢٠٢٥

شارك المقال

قصة جيفري إبستين.. رحلة عبر عالم الثراء الفاسد

ارتبط اسم جيفري إبستين حتى مطلع القرن الحالي بالثراء الفاحش والدوائر الاجتماعية المرموقة، ولكنه أصبح مرادفًا لجريمة الاتجار بالجنس وسوء استغلال القاصرات منذ ذلك الحين.

في قلب هذه القصة المظلمة يكمن رجل أعمال غامض تمكن من بناء ثروة هائلة وشبكة نفوذ واسعة شملت سياسيين بارزين، ورجال أعمال مليارديرات، وشخصيات ملكية، قبل أن يسقط بشكل مدوٍ ويكتنف موته في السجن الغموض.

من هو جيفري إبستين؟

تشير السجلات الرسمية في الولايات المتحدة أن جيفري إبستين ولد في 20 يناير 1953 في حي بروكلين بمدينة نيويورك، وهو الابن الأكبر لوالدين من المهاجرين اليهود.

كان والده يعمل بستانيًا في إدارة الحدائق بمدينة نيويورك، ونشأ في حي من الطبقة المتوسطة بـ "سي غيت" في بروكلين، وبالرغم من خلفيته المتواضعة، أبدى إبستين موهبة استثنائية في الرياضيات وتخرج من الثانوية في عام 1969.

التحق إبستين بكلية كوبر يونيون ثم انتقل إلى جامعة نيويورك لدراسة العلوم الرياضية، إلا أنه لم يكمل دراسته ولم يحصل على شهادة جامعية.

وعلى نحو مفاجئ، وفي عام 1974، بدأ التدريس في مدرسة دالتون الخاصة المرموقة في مانهاتن، وهي مدرسة يرتادها أبناء بعض من أثرى العائلات في الولايات المتحدة.

ويذكر أنه أثناء عمله في التدريس، اتُهم إبستين بسلوكيات غير لائقة تجاه بعض الطالبات، على الرغم من عدم وجود اتهامات بالاعتداء الجنسي في ذلك الوقت، وبعدها بعامين، تحديدًا في 1976، طُرد إبستين من مدرسة دالتون لعدم تحسن مهاراته التدريسية.

الثروة والمهنة المالية الغامضة لإبستين

انتقل جيفري إبستين مباشرة من التدريس إلى عالم وول ستريت المالي بعد أن أثار إعجاب والد إحدى الطالبات الذي كان الرئيس التنفيذي لشركة الاستثمار العملاقة "بير ستيرنز".

وبالفعل، بدأ جيفري إبستين العمل في الشركة ليُصبح شريكًا محدودًا في عام 1980، لكنه تركها بعد عام واحد ليؤسس عمله الخاص، ومنذ ذلك الحين بدأت مصادر ثروته وممارساته التجارية تكتنفها السرية.

ويُروى عن إبستين أنه في الثمانينيات وصف نفسه بأنه "صائد مكافآت" يسترد أموالًا مسروقة لصالح الأثرياء جدًا.

تأسست شركة جيفري إبستين "J. Epstein & Company" للاستشارات في عام 1988، وكانت تُقدم خدمات إدارة الأموال للأفراد الذين تزيد ثروتهم الصافية عن مليار دولار أمريكي.

وبمرور الوقت، أصبح إمبراطور التجزئة الملياردير، ليزلي ويكسنر، هو العميل الرئيسي لإبستين لما يقرب من عشرين عامًا، ما أسهم في بناء ثروته الهائلة.

خلال التسعينيات، أدار جيفري إبستين أعماله من جزر فيرجن الأمريكية، التي تُعد ملاذًا ضريبيًا، حيث امتلك جزيرتين هما "ليتل سانت جيمس" ولاحقًا "غريت سانت جيمس".

وامتلك إبستين أيضًا أكبر قصر خاص في مانهاتن في ذلك الوقت، بالإضافة إلى عقارات فاخرة في بالم بيتش بفلوريدا، وباريس، ونيو مكسيكو.

وقُدرت قيمة ثروته عند وفاته بما يقرب من 600 مليون دولار، مدعومة بشكل أساسي من عميليه المليارديرين ويكسنر وليون بلاك.

ووفقًا للوثائق المالية التي ظهرت، جمع جيفري إبستين رسومًا بلغت 490 مليون دولار بين عامي 1999 و2018 من إجمالي إيرادات العملاء التي تجاوزت 800 مليون دولار.

شبكة نفوذ جيفري إبستين

لم تقتصر دائرة جيفري إبستين الاجتماعية على المليارديرات وحسب، بل امتدت لتشمل شبكة واسعة من السياسيين رفيعي المستوى، والمشاهير، والشخصيات الملكية، والمثقفين حول العالم.

وتضمنت هذه الشبكة شخصيات بارزة مثل الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، ودونالد ترامب، والأمير أندرو دوق يورك، الذي اتُهم لاحقًا بالاستغلال الجنسي لإحدى ضحايا إبستين القاصرات.

يُشير تحقيق صحفي أن جيفري إبستين استغل شبكته هذه كوسيلة "لتطوير العملاء"، حيث كان بمثابة قناة تربط بين الشخصيات السياسية البارزة والمليارديرات ورجال الأعمال، فقد كان يغدق على السياسيين نمط حياة لا يمكنهم تحمله، ويفتح لرجال الأعمال طرقًا للتأثير السياسي.

أطلق السكان المحليون في جزر فيرجن على طائرة إبستين الخاصة اسم "لوليتا إكسبريس"، في إشارة واضحة إلى طبيعة الأنشطة المشبوهة التي كانت تحدث على متنها.

وزاد الغموض حول شبكة النفوذ عندما تم الكشف عن وجود كاميرات خفية في قصر إبستين بمانهاتن، يُزعم أنها كانت تُستخدم لتسجيل علاقات جنسية لأعضاء دائرته الثرية، ربما لأغراض الابتزاز.

بينت رسائل البريد الإلكتروني المُسربة حديثًا أن إبستين استخدم الهدايا كأدوات لبناء دوائر نفوذه، فمثلاً، كشفت وثيقة عن بند مصروفات بقيمة 35,000 دولار أمريكي لساعة فاخرة، وهو ما تزامن مع مناقشات بين إبستين وشريكته جيسلين ماكسويل حول إهداء ساعة بقيمة مماثلة لأحد مساعدي بيل كلينتون.

الاتهامات الجنائية التي واجهها جيفري إبستين

بدأت الاتهامات الجنائية ضد جيفري إبستين تطفو على السطح لأول مرة في عام 2005، عندما أبلغت عائلة فتاة تبلغ من العمر 14 عامًا شرطة بالم بيتش بولاية فلوريدا عن تعرض ابنتهم للاعتداء الجنسي في قصر إبستين.

وسرعان ما كشفت التحقيقات عن عدد كبير من الفتيات القاصرات، اللاتي كن في الغالب طالبات في المدارس الثانوية، وزعمن أنهن تعرضن للاستغلال الجنسي من قبل إبستين مقابل المال.

شهد عام 2008 نقطة تحول عندما أبرمت الحكومة الفيدرالية صفقة إقرار بالذنب مثيرة للجدل مع جيفري إبستين.

تضمنت الصفقة تخليه عن التهم الفيدرالية التي كان من الممكن أن تعرضه للسجن مدى الحياة، مقابل اعترافه بالذنب في تهمتي انتهاك قوانين الولاية الخاصة بالتحريض على الدعارة والتحريض على قاصر لأجل الدعارة.

وبموجب هذه الصفقة، حُكم على إبستين بالسجن لمدة 18 شهرًا، وقضى منها 13 شهرًا فقط، مع السماح له بقضاء ستة أيام في الأسبوع في مكتبه في بالم بيتش، وهو شرط أثار غضب الضحايا.

وفي وقت لاحق، ادعى المدعي العام الذي وافق على الصفقة، ألكسندر أكوستا، أن مسؤولين في الاستخبارات قد طلبوا منه "الابتعاد" عن إبستين في ذلك الوقت، مشيرًا إلى أهمية إبستين لقضية فيدرالية أخرى.

أدت صفقة 2008 إلى موجة من الدعاوى المدنية ضد جيفري إبستين على مدار السنوات التالية، كما أن تقريرًا تحقيقيًا نشرته صحيفة ميامي هيرالد في عام 2018 كشف عن وجود نحو 80 ناجية مزعومة من سوء المعاملة الجنسية من قبل جيفري إبستين أو شركائه.

سقوط إبستين وموته الغامض

عادت التحقيقات الفيدرالية لتتجدد في عام 2019، وفي شهر يوليو من ذلك العام، أُلقي القبض على جيفري إبستين في مطار تيتيربورو بولاية نيوجيرسي بتهمة الاتجار بالجنس والتآمر لارتكاب الاتجار بالجنس لنساء وفتيات قاصرات.

دفعت التهم الجديدة ألكسندر أكوستا، الذي كان آنذاك وزيرًا للعمل في إدارة ترامب، إلى الاستقالة من منصبه، ووُضع إبستين في الحجز دون كفالة بسبب موارده المالية الهائلة، التي تتضمن مليارات الدولارات وطائرات خاصة، ما جعله يمثل خطرًا للهروب.

لم تدم فترة الاعتقال طويلًا، ففي وقت لاحق من شهر يوليو، عُثر على جيفري إبستين مصابًا في زنزانته في مانهاتن بما يشير إلى محاولة انتحار شنقًا، ليتم وضعه تحت المراقبة الخاصة بالانتحار، وبشكل مفاجئ، رُفعت المراقبة بعد أقل من أسبوع.

وفي 9 أغسطس، أي قبل يوم واحد من وفاته، نُقل زميل إبستين في الزنزانة ولم يتم استبداله، وخُرق بروتوكول السجن بعدم فحص إبستين من قبل الحراس لمدة ثلاث ساعات تقريبًا، بالإضافة إلى تعطل الكاميرات خارج الزنزانة.

وفي صباح يوم 10 أغسطس 2019، عُثر على جثة جيفري إبستين مشنوقًا في زنزانته.

أقرّ تشريح الجثة الرسمي بأنه انتحار، لكن محامي إبستين شككوا في النتيجة واقترحوا أنه قُتل، مما أثار موجة من نظريات المؤامرة واسعة الانتشار، خاصة بين أنصار حركة "اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى"، بشأن وجود "قائمة عملاء" سرية كان يملكها إبستين وتضم أسماء شخصيات بارزة متورطة في شبكة الاتجار بالجنس.

ومع ذلك، لم يتم تقديم أي دليل موثوق يدعم فرضية القتل، وفي عام 2023، أيد تقرير صادر عن مكتب المفتش العام بوزارة العدل الأمريكية نتيجة الانتحار، مشيرًا أن المحققين "لم يكشفوا عن أدلة تتعارض مع غياب الجريمة فيما يتعلق بكيفية وفاة إبستين..

وفي تطور لاحق، أثار إطلاق وثائق مرتبطة بملفات جيفري إبستين جدلًا واسعًا خلال الإدارة الثانية للرئيس دونالد ترامب، خاصة مع تضارب التصريحات الرسمية حول وجود "قائمة عملاء".

ويُعتقد أن قضية إبستين ستستمر في إحداث تداعيات في دوائر الثروة والسياسة العالمية لسنوات قادمة.

ويوضح أحد معارف إبستين أن "جيفري إبستين تحرك مثل كرة مدمرة تتدحرج عبر البلدان"؛ فبالرغم من وفاته، تستمر فضائحه في إسقاط أسماء وشخصيات في دوائر النخبة.

الأكثر مشاهدة

أحصل على أهم الأخبار مباشرةً في بريدك


logo alelm

© العلم. جميع الحقوق محفوظة

Powered by Trend'Tech