يونيو ١٥, ٢٠٢٥
تابعنا
نبض
logo alelm
ماذا لو اغتال الاحتلال خامنئي؟

منذ أن شن الاحتلال الإسرائيلي هجماته على إيران بداية من فجر أمس الجمعة، نالت ضرباته من كبار قيادات المؤسسة العسكرية والأمنية في طهران. ولكن في الوقت نفسه نجا المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، الرجل الذي يتربع على قمة هرم النظام، من الاستهداف المباشر.

وتدور التساؤلات في الوقت الحال حول السيناريوهات المتوقعة حال استهداف الكيان المحتل للمرشد الأعلى الإيراني، وما الإجراءات التي تفرضها القوانين الإيرانية في هذا الوضع.

معضلة الخلافة وصعود “مجتبي”

وفق الدستور الإيراني، فإن وفاة المرشد الأعلى يترتب عليها تفعيل آلية طارئة لانتقال السلطة يشرف عليها “مجلس خبراء القيادة”، الذي بات يخضع لهيمنة التيار المحافظ المتشدد منذ انتخابات مارس 2024. ويُعتقد على نطاق واسع أن مرشحهم المفضل هو مجتبى خامنئي، نجل المرشد الأعلى ومهندس القرارات الفعلي في الخفاء، بحسب تقرير نشرته صحيفة “The Hill”.

لكن مجتبى يواجه مشكلة جوهرية، فهو يفتقر إلى المصداقية الفقهية والمؤهلات الدينية اللازمة للمنصب، فهو لم يصدر رأيًا قانونيًا رسميًا من قبل، كما أنه لم يُدرّس في الحوزات التقليدية، ولم يحظَ بقبول كأحد كبار المراجع الدينية. وفي الفقه الشيعي، تُكتسب الشرعية الدينية عبر عقود من العلم والتحصيل وتقدير الأقران، ولا تُورث كالملكية.

لماذا يتجنب الاحتلال استهداف خامنئي؟

قد يبدو هذا التجاوز من قِبل الاحتلال غامضًا للوهلة الأولى، لكن تحليلًا أعمق يكشف أن إبقاء خامنئي على قيد الحياة كان خيارًا استراتيجيًا مدروسًا من قبل إسرائيل، ربما أشد تأثيرًا من اغتياله. وهنا يكمن الحساب الإسرائيلي الدقيق؛ فلو قُتل خامنئي الأب، لكان ذلك قد سرّع من صعود مجتبى إلى السلطة ومنحه “شرعية الشهادة” التي كان يحتاجها، ولربما وحّد الفصائل المتناحرة خلفه.

أما الآن، ومع بقاء والده على قيد الحياة، يظل مجتبى وريثًا فاقدًا للشرعية، قويًا لدرجة لا يمكن معها تهميشه، ولكنه ضعيف لدرجة لا يستطيع معها توحيد النظام، مما قد يُدخل عملية الخلافة في مأزق عقائدي وسياسي عميق.

من ناحية أخرى، يُبنى جزء كبير من الفكر السياسي الشيعي على رمزية الاستشهاد، التي تستمد قوتها من مأساة مقتل الإمامين علي والحسين في القرن السابع. فإذا أقدم الاحتلال على قتل خامنئي بصاروخ، لتحول مقتله من حدث سياسي إلى ملحمة أسطورية تستحضر مأساة كربلاء، وفي نفس الوقت يمنح نجله تقديسًا غير مرغوب إسرائيليًا، ومنح تفويضًا مطلقًا للتصعيد العنيف من قبل وكلاء إيران الإقليميين مثل حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، والميليشيات العراقية، الذين يعتبرون أنفسهم حماة للسلطة الدينية للمرشد.

وبشكل عام، يعمل تجنيب خامنئي من صواريخ الاستهداف الإسرائيلية على حرمان النظام الإيراني من أقوى محفز للتعبئة، ويحافظ على الغموض الاستراتيجي. ولذلك يستهدف الاحتلال القدرة الإيرانية العسكرية دون المساس بالرمز الروحي، ومن خلال تلك الاستراتيجية تبعث إسرائيل برسالة إلى القادة والمسؤولين من المستوى المتوسط مفادها أن التصعيد ليس حتميًا، وأن هناك مجالاً لإعادة تقييم المواقف.

التفتيت وليس الإضعاف

وفق تحليل الصحيفة، يعتمد نظام خامنئي في جوهره على “مكتب حفظ ونشر آثار المرشد الأعلى”، الذي يُديره فعليًا مجتبى خامنئي. هذا المكتب ليس مجرد جهاز نشر ديني، بل هو مركز للرقابة الفكرية وفرض الالتزام العقائدي، حيث يشرف على الخطاب الديني، ويتحكم بالوصول إلى المرشد، ويؤدب رجال الدين المعارضين، ويدير اقتصادًا واسعًا قائمًا على المحسوبية داخل الحوزات العلمية.

وكان هذا الجهاز العقائدي يعمل تحت حماية مباشرة من القيادة العليا للحرس الثوري الإسلامي. الجنرالات الذين تم القضاء عليهم في الضربة الأخيرة، فهم من كانوا يفرضون هذا الالتزام العقائدي بالقوة الغاشمة، ويعززون سلطة مجتبى، ويعزلون المؤسسة الدينية عن أي تحدٍ. لقد نجحت الضربة الإسرائيلية في تحطيم هذا الغلاف الخارجي الواقي، وتركت جوهر النظام العقائدي مكشوفًا ومفرطًا في التوسع. وبناءً على ذلك، فإن الاستراتيجية الإسرائيلية المثلى كما يراها بعض الخبراء، ليست القضاء على مجتبى أو كبار رجال الدين (لأن ذلك سيحولهم إلى شهداء)، بل يجب أن تستمر في استهداف قيادة الحرس الثوري، وأن تعمل على تدمير البنية التحتية التي تدعم نفوذ مجتبى.

ويشمل ذلك قطع الموارد المالية التي تمول الحوزات الموالية، وكشف التناقضات الداخلية داخل النخبة الدينية في قم، وتمكين المنافسين العابرين للحدود بهدوء – وخاصة أولئك المتحالفين مع المرجعية العليا في النجف الممثلة بآية الله العظمى علي السيستاني، التي ترفض مبدأ الحكم السياسي الديني. الهدف لا ينبغي أن يكون مجرد إضعاف النظام، بل إدخاله في حالة من الشلل والتفتيت والإنكار.

شارك هذا المنشور:

السابقة المقالة

بعد استهدافه من الاحتلال.. ما أهمية حقل بارس للغاز في إيران؟

المقالة التالية

ولي العهد يبحث مع الرئيس الإيراني تطورات الأوضاع