توفي الرئيس الأوروغواياني السابق خوسيه موخيكا، المعروف بلقب “أفقر رئيس في العالم”، عن عمر ناهز 89 عامًا، اليوم الأربعاء، بعد معاناة مع مرض سرطان المريء.
وجاء الإعلان عن وفاة “موخيكا” على لسان الرئيس الحالي لأوروغواي، ياماندو أورسي، الذي عبّر عن حزنه الشديد، قائلاً: “شكرًا لك على كل ما قدمته لنا وعلى حبك العميق لشعبك”.
واشتهر “موخيكا” بأسلوب حياته المتقشف وتواضعه الملفت للنظر، إذ كان يرفض الامتيازات الرسمية، ويعيش في منزل ريفي بسيط مع زوجته، ويقود سيارة “فولكس فاجن بيتل” قديمة، ما جعل منه رمزًا عالميًا للزهد والنزاهة السياسية، رغم نفيه الدائم لهذا اللقب، إذ قال ذات مرة: “أنا لست أفقر رئيس، الفقراء هم من لا يشبعون”.
ولد خوسيه ألبرتو موخيكا كوردانو في العاصمة مونتيفيديو، ونشأ في بيت من الطبقة المتوسطة، ورغم بداياته كعضو في الحزب الوطني، إلا أنه اتجه في ستينيات القرن الماضي نحو العمل المسلح، وكان من مؤسسي حركة التحرير الوطني “توباماروس”، وهي جماعة يسارية ماركسية تبنت الكفاح المسلح ضد الحكومة التي اتهمها اليسار بالاستبداد، رغم كونها ديمقراطية دستورية آنذاك.
خلال نشاطه في صفوف “توباماروس”، تعرض “موخيكا” للاعتقال 4 مرات، وأُصيب بطلق ناري 6 مرات عام 1970، ونجا بأعجوبة، وشارك في واحدة من أكبر عمليات الهروب من السجن في تاريخ أمريكا اللاتينية، حيث فرّ عبر نفق مع أكثر من 100 سجين آخرين.
بعد انقلاب الجيش عام 1973، اعتُبر رهينة، واحتُجز في ظروف قاسية طوال أكثر من 14 عامًا، حيث تعرض للتعذيب والعزل التام، ما أثر على حالته النفسية.
وصف “موخيكا” لاحقًا تلك الفترة بأنها الأشد قسوة في حياته، قائلاً إنه عانى من الهلوسة والتحدث مع الحشرات بسبب العزلة، وذكر أن يوم خروجه من السجن عام 1985، بعد عودة الديمقراطية إلى أوروغواي، كان “أسعد أيام حياته”، أكثر من توليه الرئاسة.
بعد خروجه من السجن، عاد خوسيه موخيكا إلى السياسة من بوابة البرلمان، حيث شغل عضوية مجلس النواب ثم مجلس الشيوخ، قبل أن يصبح وزيرًا للزراعة عام 2005 في أول حكومة لجبهة “أمبليو”، الائتلاف اليساري الذي مثّل قوة جديدة في السياسة الأوروغوايانية، وفي عام 2010، انتُخب رئيسًا للبلاد وهو في الرابعة والسبعين من عمره.
مثّل انتخابه لحظة بارزة في المد اليساري الذي اجتاح أمريكا اللاتينية حينها، إلى جانب أسماء مثل لولا دا سيلفا في البرازيل وهوغو تشافيز في فنزويلا، وعلى عكس كثير من زعماء اليسار، حكم “موخيكا” بطريقة تجمع بين البراغماتية والجرأة، وحقق إنجازات اقتصادية واجتماعية بارزة.
شهدت فترته الرئاسية نموًا اقتصاديًا بمعدل 5.4% سنويًا، وانخفضت معدلات الفقر والبطالة، وسُنّت تشريعات اجتماعية رائدة.
رفض موخيكا الانتقال إلى القصر الرئاسي، مفضلاً البقاء في منزله الريفي المتواضع، حيث كان يعيش بلا حراسة تُذكر، ويتبرع بمعظم راتبه الرئاسي للفقراء والمؤسسات الاجتماعية.
ورغم أنه كان يدعو إلى التقشف، إلا أن حكومته زادت الإنفاق العام بشكل كبير، ما أدى إلى توسيع العجز المالي، وتعرض لانتقادات من المعارضة على خلفية هذا الأمر، فضلاً عن فشله في معالجة مشكلات التعليم، رغم وعوده المتكررة بأن يكون التعليم أولويته القصوى.
أنهى موخيكا ولايته في عام 2015 وهو يتمتع بشعبية محلية عالية، قاربت 70%، وعاد إلى مجلس الشيوخ، كما سافر حول العالم يلقي المحاضرات ويشارك في فعاليات سياسية وثقافية.
في عام 2020، أعلن اعتزاله الحياة السياسية بشكل نهائي، لكنه ظل شخصية محورية ومرجعية أخلاقية لدى قطاع واسع من الشعب الأوروغوياني، وحتى في أوساط اليسار العالمي.
وفي نوفمبر 2024، انتُخب وريثه السياسي ياماندو أورسي رئيسًا لأوروغواي، في انتصار انتخابي كبير لحركة “جبهة أمبليو” التي دعمها موخيكا طيلة حياته السياسية بعد السجن.
وفي عامه الأخير، أعلن موخيكا إصابته بسرطان المريء، وتقبل المرض والموت ببساطة، وفي آخر مقابلة أجراها مع هيئة الإذاعة البريطانية “BBC” في نوفمبر 2023، قال: “إننا نعلم أن الموت أمر لا مفر منه، ووربما يكون بمثابة ملح الحياة”.