تمثّل نسب الزئبق في الأسماك والمأكولات البحرية أرقامًا ينبغي أن ينتبه إليها المستهلكون حول العالم، حيث يعد تناول الأنواع الملوثة المصدر الرئيسي لتعرض الإنسان لمعدن الزئبق السام.
وتختلف تركيزات هذا المعدن بشكل كبير بين الأنواع المختلفة بناءً على حجمها ونظامها الغذائي ومكان عيشها، مما يستدعي معرفة دقيقة للتمييز بين الخيارات الآمنة وتلك التي تشكل خطرًا على الصحة.
وينشأ التلوث بالزئبق بشكل أساسي من الانبعاثات الصناعية ومحطات الطاقة التي تعمل بالفحم، حيث يستقر الزئبق المنبعث في الهواء داخل المسطحات المائية، وهناك، تمتصه الكائنات الدقيقة التي تتغذى عليها الأسماك الصغيرة، لتبدأ رحلة تراكمه عبر السلسلة الغذائية؛ فكلما كان السمك أكبر حجمًا وافترس أسماكًا أخرى، زاد تركيز الزئبق في جسمه، وهي عملية تُعرف بالتراكم البيولوجي.
تصنف إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) الأسماك والمأكولات البحرية إلى فئات حسب محتواها من الزئبق، مقاسة بوحدة جزء في المليون”ppm”.
وتضم الفئة الأكثر أمانًا، ذات المستويات المنخفضة جدًا، أنواعًا مثل الأسقلوب المعروف أيضًا بالمحار المروحي (0.003 ppm)، والبطلينوس (0.009 ppm)، والجمبري (0.009 ppm).
وتعتبر هذه الخيارات آمنة للاستهلاك المنتظم، أما الفئة «المعتدلة»، التي تشمل أنواعًا مثل سمك السلمون (0.02 ppm) والتونة الخفيفة المعلبة (0.12 ppm)، فيُنصح بتناولها باعتدال، بما لا يزيد عن ست حصص شهريًا.
وعلى النقيض، توصي الهيئات الصحية بتجنب تناول الأسماك الموجودة في الفئة الأعلى تمامًا، ويتصدر هذه القائمة سمك البلاط “التلفيش” الذي يتركز في خليج المكسيك الذي يسجل أعلى مستوى من الزئبق في الأسماك بمعدل 1.12 جزء في المليون.
وتضم القائمة الخطرة أيضًا سمك أبو سيف بمعدل 1.00ppm، وسمك القرش بمعدل 0.98 ppm، والماكريل الملكي بمعدل 0.73 ppm.
ويعزى ارتفاع نسبة الزئبق في الأسماك المفترسة الكبيرة إلى أنها تعيش لفترات أطول وتتغذى على عدد أكبر من الأسماك الملوثة.
ويعود هذا التباين الكبير في مستويات الزئبق في الأسماك من نفس النوع أحيانًا إلى بيئتها؛ فمثلاً، يحتوي سمك البلاط الذي يعيش في خليج المكسيك على زئبق أعلى من نظيره في المحيط الأطلسي، لأن مياه الخليج الدافئة والضحلة أكثر عرضة للملوثات الصناعية المحتبسة.
ولا يقتصر الأمر على نوع السمك، بل يمتد إلى طريقة تحضيره؛ فالتونة المعلبة تحتوي على زئبق أقل من شرائح التونة الطازجة أو المجمدة، لأنها تُصنع عادةً من أسماك التونة الأصغر حجمًا (مثل سكيبجاك أو الزعنفة الصفراء).
وبالمثل، يعتبر السلمون المعلب خيارًا آمنًا لاحتوائه على نسبة منخفضة من الزئبق في الأسماك لأنه يُصنع من أنواع أصغر حجمًا وأقصر عمرًا، كما أن عملية التعليب قد تساهم في التخلص من بعض الأجزاء الغنية بالزئبق.