أظهر بيانات حديثة أن استهلاك الطاقة على مستوى الفرد ما زال يشهد تباينات هائلة بين الدول والمناطق، حيث تتداخل عدة عوامل لتحديد موقع كل دولة في هذا التصنيف، من أبرزها مستوى التصنيع، طبيعة المناخ، وفرة الموارد، إلى جانب السياسات الحكومية التي ترسم ملامح قطاع الطاقة.
وكشفت البيانات المتضمنة في تقرير المراجعة الإحصائية العالمية للطاقة 2025 الصادر عن معهد الطاقة، أن الدول ذات التعداد السكاني المحدود والاقتصادات الصناعية الثقيلة، خصوصًا تلك التي تعتمد على الصناعات التحويلية أو البتروكيماويات، غالبًا ما تأتي في المراتب الأولى بين أكبر المستهلكين للطاقة للفرد الواحد. بينما قلة عدد السكان مع وجود نشاط صناعي واسع يؤدي إلى تضاعف نصيب الفرد من الاستهلاك مقارنة بالدول الكبرى ذات الكثافة السكانية العالية.
جاءت أيسلندا في المرتبة الأولى عالميًا عام 2024 بمعدل استهلاك وصل إلى 788 جيجاجول للفرد، لتتفوق بفارق بسيط على قطر التي سجلت 769 جيجاجول للفرد. ويعود تفوق أيسلندا إلى اعتمادها شبه الكامل على مصادر الطاقة المتجددة، حيث تستفيد من مواردها الطبيعية الهائلة من الطاقة الحرارية الأرضية والطاقة الكهرومائية، وهو ما أتاح لها توفير كهرباء نظيفة ومنخفضة التكلفة على نطاق وطني.
أما قطر، فقد انعكس اقتصادها القائم على الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، إضافة إلى الطلب الكبير على التبريد والتكييف في مناخها الصحراوي الحار، في جعلها واحدة من أكثر الدول استهلاكًا للطاقة بالنسبة للفرد. ولم تقتصر القائمة على أيسلندا وقطر فقط، بل شملت أيضًا دولًا أخرى صغيرة نسبيًا من حيث عدد السكان، لكنها تتميز بارتفاع استهلاك الطاقة، مثل سنغافورة، الإمارات العربية المتحدة، والكويت. ويُعزى ذلك إلى طبيعة اقتصاداتها القائمة على الخدمات أو الصناعات المتقدمة، إلى جانب الظروف المناخية التي تفرض استهلاكًا كبيرًا للطاقة.
ومن بين الدول العشر الأولى، برزت كندا والمملكة العربية السعودية باعتبارهما الدولتين الوحيدتين اللتين يتجاوز عدد سكانهما 10 ملايين نسمة، وهو ما يعد استثناءً واضحًا في تصنيف تهيمن عليه دول صغيرة سكانيًا. فكندا تتميز بمناخ شديد البرودة يتطلب استهلاكًا مرتفعًا للتدفئة، فضلًا عن نشاط صناعي واسع، بينما تستفيد السعودية من كونها منتجًا ضخمًا للطاقة، مع مستويات طلب محلية مرتفعة.
إلى جانب تحليل الدول منفردة، يقدم التقرير رؤية إقليمية تبرز الفوارق الهائلة بين القارات. فقد سجلت أمريكا الشمالية أعلى معدل استهلاك للفرد على مستوى العالم، بمتوسط بلغ 217 جيجاجول للشخص الواحد عام 2024، وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي البالغ 73 جيجاجول.
وفي المقابل، بدت الهوة واسعة عند المقارنة مع إفريقيا، التي لم يتجاوز نصيب الفرد فيها 14 جيجاجول، وهو فارق يعكس ضعف البنية التحتية للطاقة وقلة فرص الوصول إلى الموارد. أما أوروبا فقد سجلت معدلًا قدره 105 جيجاجول للفرد، في حين بلغ استهلاك الفرد في الشرق الأوسط نحو 141 جيجاجول. ومن جهتها، برزت دول رابطة الكومنولث المستقلة بمعدل أعلى وصل إلى 163 جيجاجول للفرد، مدعومة بوجود اقتصادات تعتمد بشكل كبير على الطاقة مثل روسيا وكازاخستان.
اقرأ أيضًا:
التحول إلى مصابيح LED لم يؤت ثماره.. استهلاك الطاقة يزداد
إنفوغرافيك | رغم توفّر البديل.. العالم يزيد استهلاكه من الطاقة الأولية
الخبراء يحذرون من مخاطر الذكاء الاصطناعي على استهلاك الطاقة