تشير دراسة حديثة صادرة عن معهد علوم البحار بجامعة فرجينيا إلى أن غرق أغنى مدن أمريكا – مدن كاليفورنيا الساحلية – أصبح احتمالًا واقعيًا قد يحدث خلال العقود الثلاثة القادمة، خاصة في مدن كبرى مثل لوس أنجلوس، سان فرانسيسكو، سان دييغو، وألاميدا.
فقد سجلت هذه المدن ارتفاعًا متسارعًا في منسوب سطح البحر منذ عام 2018، ما ينذر بكارثة بيئية وعمرانية غير مسبوقة.
وفقًا للبيانات، تشهد سان دييغو أعلى معدل لارتفاع سطح البحر على الساحل الغربي، بمقدار 2.6 ملم سنويًا، ووفقًا لتوقعات التقرير، فإن مستويات البحر في هذه المدن الأربع سترتفع بمقدار عدة بوصات بحلول عام 2050، متجاوزة بذلك المتوسط العالمي.
هذا الارتفاع سيؤدي إلى تفاقم في الفيضانات، تآكل السواحل، وتهديد مباشر للبنية التحتية والممتلكات.
من المتوقع أن يؤثر غرق مدن كاليفورنيا على ملايين السكان. إذ يعيش أكثر من 26 مليونًا من سكان الولاية البالغ عددهم 40 مليونًا على طول السواحل.
وقدّر معهد السياسات العامة في كاليفورنيا قيمة المباني التي قد تغمرها المياه بـ18 مليار دولار، كما أن انخفاض عدد الشواطئ سيؤدي إلى تراجع النشاط السياحي وتهجير السكان من منازلهم.
تواجه ولاية كاليفورنيا معضلة اقتصادية إضافية، إذ يتطلب تحصين منطقة خليج سان فرانسيسكو وحدها ضد ارتفاع مستوى البحر أكثر من 110 مليارات دولار بحلول 2050.
هذه الأرقام تدفع بالكثيرين إلى التساؤل: هل هناك وقت كافٍ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل أن تبتلع الأمواج الساحل الذهبي؟
ورغم أن غرق مدن كاليفورنيا يحظى بالاهتمام، فإن التهديد لا يقتصر على الساحل الغربي، حيث أشار نفس التقرير إلى أن مدنًا في الشمال الشرقي، مثل نيويورك وبوسطن، تواجه معدلات أعلى من ارتفاع سطح البحر، مما يعرضها هي الأخرى لتغيرات ديموغرافية واقتصادية هائلة.
وتشير التوقعات إلى احتمال ارتفاع البحر فيها بما يزيد عن قدم واحدة بحلول 2050.
الوضع أكثر خطورة في مدن خليج المكسيك، مثل تلك الواقعة في ولايات فلوريدا وتكساس ولويزيانا، ففي مدينة روك بورت بتكساس، يتوقع الباحثون ارتفاع البحر بمقدار 2.49 قدم بحلول منتصف القرن.
وقد يؤدي ذلك إلى خسائر كبيرة في البنية التحتية وفقدان السياحة الساحلية.
تمثل نيو أورليانز حالة خاصة في مسار غرق مدن كاليفورنيا، حيث أظهرت دراسة نشرت عام 2024 في مجلة الهيدروجيولوجيا أن المدينة تغرق فعليًا بمعدل يصل إلى بوصتين سنويًا.
تعاني هذه المدينة من تربة رخوة وغنية بالخث والطين، ما يجعلها عرضة للغوص بمجرد أن تُجفف أو تُبنى عليها مشاريع جديدة.
اعتمد التقرير على بيانات دقيقة تم جمعها من أكثر من 55 عامًا عبر مقاييس المد والجزر التي تسجل شهريًا متوسطات منسوب سطح البحر، ودمج الباحثون هذه البيانات مع تحليلات علمية للظواهر المناخية كظاهرة النينيو، إضافة إلى دراسة تأثيرات ذوبان الجليد في غرينلاند.
كشفت دراسة حديثة من جامعة فرجينيا للتكنولوجيا عن أن أكثر من 24 موقعًا في الولايات المتحدة تعاني من مزيج من ارتفاع منسوب البحر وهبوط الأرض، مما يضع 1 من كل 50 أميركيًا في دائرة الخطر، ومن المرجح أن تشهد 20 مدينة على الأقل غرقًا مشابهًا لما تواجهه مدن كاليفورنيا، إذا استمر الوضع على حاله دون تدخل فعّال.
قالت الباحثة مولي ميتشل من معهد فرجينيا: “يريد الناس معرفة ما ينتظرهم خلال العقود المقبلة حتى يتمكنوا من اتخاذ قرارات واقعية وقابلة للتنفيذ”.
وأضافت أن التسارع الحاصل في معدلات ارتفاع البحر على طول الساحل الشرقي مثير للقلق، خصوصًا في ظل استمرار ذوبان الأنهار الجليدية.
في ظل هذه المعطيات، يتضح أن مسألة غرق مدن كاليفورنيا لم تعد مجرد افتراضات أكاديمية بل هي أزمة مناخية واقعة.
ارتفاع مستويات البحر، التآكل الساحلي، وتزايد الكوارث الطبيعية تهدد بتحويل أجزاء من الولاية إلى مناطق غير صالحة للسكن، ويظل السؤال: هل تتخذ الولايات المتحدة ما يكفي من خطوات جادة لمواجهة هذا التهديد قبل أن يفوت الأوان؟
يمكنك أن تقرأ أيضًا:
إنفوجرافيك| البلدان الأعلى إنتاجًا لانبعاثات الكربون عالميًا