قبل أكثر من قرن من الزمان، خطا الدكتور كارل لاندشتاينر خطوة علمية هائلة باكتشافه فصائل الدم، تلك الخطوة التي غيّرت وجه الطب الحديث إلى الأبد. فقد اكتشف أن خلايا الدم الحمراء ليست كلها متشابهة، ولاحظ أنه عند خلط دماء أشخاص مختلفين، كان الدم يتكتل ويتخثر في كثير من الأحيان، مما يؤدي إلى تدمير الخلايا. أدت أبحاثه الرائدة حول الأنواع المختلفة من خلايا الدم الحمراء إلى اكتشاف نظام فصائل الدم ABO الشهير، وهو الإنجاز الذي حاز به على جائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء أو الطب عام 1930. لاحقًا ساهم هذا الاكتشاف ساهم في جعل عملية نقل الدم ممارسة آمنة وموثوقة وتنقذ حياة الملايين كل عام.
يعرف الكثير من الأشخاص فصيل دمهم ضمن نظام ABO الكلاسيكي، الذي يصنف الدم إلى أربعة أنواع رئيسية: A و B و AB و O. ولكن هذه المجموعات الأربع الأساسية ليست نهاية القصة، بل هي مجرد نقطة البداية في عالم معقد ومتنوع من فصائل الدم.
يمكن أن يصل عدد فصائل الدم إلى المئات أو أكثر، ولا تزال القائمة في ازدياد مستمر. توجد فصائل الدم المختلفة لأن خلايا الدم الحمراء، التي تحمل الأكسجين عبر مجرى الدم، تحمل بروتينات وسكريات مختلفة على أسطحها، تُعرف باسم المستضدات. يمتلك كل شخص مجموعة محددة من المستضدات على سطح خلايا دمه، وهذا المزيج الفريد هو الذي يحدد فصيلة دمه.
يقوم نظام فصائل الدم ABO الخاص بلاندشتاينر على تصنيف دم الشخص بناءً على ما إذا كان لديه أحد المستضدين المعروفين باسم A و B، أو كليهما، أو لا يملك أياً منهما. يتم تحديد فصيلة الدم ABO بواسطة جين واحد، حيث يرث الشخص نسخة واحدة منه من كل والد. يُعد النمط الجيني O هو الأكثر شيوعًا، ولكنه متنحٍ، لذا يحتاج الشخص إلى وراثة نسختين منه ليكون فصيلة دمه O. أما النمطان الجينيان A و B فهما سائدان، لذا فإنهما يتغلبان على أي نسخة من الجين O. إن وجود نسخة واحدة من A أو B سيؤدي إلى فصيلة دم A أو B على التوالي، وسيكون لدى الشخص فصيلة دم AB إذا كان كل من A و B موجودين.
“يعد نظام فصائل الدم ABO أهم نظام يجب أخذه في الاعتبار أثناء نقل الدم،” كما ذكرت الدكتورة إميلي كوبرلي، رئيسة الأطباء في الصليب الأحمر، وأضافت: “نحن جميعًا ننتج أجسامًا مضادة للمستضدات ABO غير الموجودة على خلايا الدم الحمراء الخاصة بنا.” على سبيل المثال، إذا كانت فصيلة دمك A، فستنتج أجسامًا مضادة تهاجم مستضدات B. لذا، فإن نقل دم من فصيلة B إلى جسمك سيكون أمرًا خطيرًا.
ربما سمعت أيضًا عن فصائل الدم التي توصف بأنها “موجبة” أو “سالبة”. يعود هذا التصنيف إلى مستضد آخر، يسمى العامل الريصي (Rh). الأشخاص الذين لديهم العامل الريصي على خلايا دمهم لديهم دم Rh موجب، في حين أن الأشخاص الذين ليس لديهم العامل الريصي هم Rh سالب. يتم التحكم في العامل الريصي بواسطة مجموعة من الجينات التي تؤثر على مستضدات متعددة، لذا فإن الوراثة أكثر تعقيدًا مما هي عليه في نظام ABO، ولكن كون الشخص Rh موجبًا هو صفة سائدة وأكثر شيوعًا في المجتمع.
تنتج التركيبات المختلفة لنظام ABO والعامل الريصي ثماني مجموعات دم رئيسية. في معظم الحالات، يكفي معرفة المجموعة التي ينتمي إليها الشخص لتزويده بنقل دم آمن. ولكن بعض الأمراض يمكن أن تعقد الأمور، وتصبح فصائل الدم أكثر تعقيدًا عند النظر إلى المئات من المستضدات الأخرى الموجودة على سطح خلايا الدم الحمراء.
إلى جانب مستضدات A و B والعامل الريصي، هناك ما لا يقل عن 350 مستضدًا آخر معروفًا على خلايا الدم الحمراء، كما ذكرت كوبرلي. ولا يزال هذا العدد في ازدياد حيث يكتشف الباحثون بروتينات جديدة مهمة. إذا بنت الخلايا واحدًا فقط من هذه المستضدات بشكل مختلف عن الخلايا الأخرى، فإن ذلك يبرر تسمية فصيلة دم جديدة وفريدة من نوعها. لذا، من الناحية النظرية، هناك عدد من فصائل الدم بقدر ما توجد من تركيبات للمستضدات السطحية على خلية الدم الحمراء.
اعتبارًا من عام 2024، تعترف الجمعية الدولية لنقل الدم بـ 47 نظامًا لفصائل الدم. يمكن أن يشمل كل من هذه الأنظمة المتعددة لفصائل الدم أنواعًا مختلفة، تمامًا كما يشمل نظام ABO أنواع A و B و AB و O. ذكرت كوبرلي بعض الأمثلة على فصائل الدم النادرة هذه، مثل النمط الظاهري McLeod، حيث لا تعبر خلايا الدم الحمراء لدى الشخص عن بروتين يسمى Kx؛ والنمط الظاهري Kidd-null، حيث لا تعبر الخلايا عن مجموعة من البروتينات المعروفة بمجموعة Kidd؛ والنمط الظاهري Bombay، حيث لا تعبر الخلايا عن بروتين يسمى المستضد H.
