متى ستصل كبرى الدول إلى ذروة السكان؟

نوفمبر ٢٦, ٢٠٢٥

شارك المقال

متى ستصل كبرى الدول إلى ذروة السكان؟

تعطي أكبر سبع دول من حيث عدد السكان مثالاً على التحولات الديموغرافية الأكثر إثارة للقلق، حيث تشهد هذه الكتلة البشرية الهائلة تحولًا يقود إلى بلوغ ذروة السكان.

ويعد تتبع هذه القمم السكانية، بناءً على بيانات الأمم المتحدة، أمرًا بالغ الأهمية، إذ إن توقيت بلوغ هذه الدول لأقصى عدد ممكن من السكان يحدد مستقبل الاقتصاد العالمي وأنماط الهجرة الدولية وتوزيع القوة العاملة.

خارطة ذروة السكان للدول العظمى

يظهر تحليل مسارات النمو لأكبر سبع دول سكانية في العالم تباينات زمنية وجغرافية واسعة في توقيت بلوغ ذروة السكان.

وصلت إحدى هذه الدول، وهي الصين، إلى ذروتها بالفعل في عام 2021، ما جعلها أول عملاق سكاني يدخل مرحلة الانكماش، وتعد بذلك مختبرًا حيًا لتحديات التناقص السكاني قبل بقية العالم.

ويتوقع أن تسير ثلاث دول أخرى من بين السبع الكبار على خطى الصين خلال العقود القليلة القادمة.

من المتوقع أن تبلغ كل من البرازيل وإندونيسيا والهند ذروة أعدادها السكانية في غضون العقدين إلى الأربعة عقود القادمة.

ويدفع نحو هذا التحول الانخفاض المتسارع في معدلات الخصوبة داخل هذه الدول، نتيجة لارتفاع مستويات التعليم، وتحسن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتغير تفضيلات الأسر.

ويشير هذا المسار أن جزءًا كبيرًا من الكتلة السكانية العالمية سيدخل مرحلة التناقص أو الاستقرار بحلول منتصف القرن الحادي والعشرين.

وفي المقابل، يتوقع أن تستمر ثلاث دول أخرى من القائمة في النمو بشكل بطيء بعد عام 2100، وهي الولايات المتحدة وباكستان ونيجيريا.

ويعود هذا التباين إلى عوامل ديموغرافية واضحة، ففي نيجيريا وباكستان، تشير التقديرات الحالية أن معدلات الخصوبة ستظل أعلى من معدل الإحلال السكاني البالغ 2.1 طفل لكل امرأة حتى ثمانينيات القرن الحادي والعشرين، ما يعني أن سكانهما سيستمرون في النمو بشكل طبيعي لفترة طويلة دون الحاجة إلى الهجرة.

أما الولايات المتحدة الأمريكية، فرغم أن معدل الخصوبة لديها أصبح بالفعل أقل من معدل الإحلال (يعني عدد المواليد لكل امرأة الذي يوازن بين الزيادة السكانية والوفيات)، فإن النمو السكاني لديها يظل مدعومًا بشكل كبير ومستمر بفضل الهجرة الدولية.

ولذلك، فإن هذه الدول الثلاث ستلعب دورًا في الحفاظ على النمو الإجمالي لعدد سكان العالم في القرن الثاني والعشرين وما بعده.

ذروة السكان السلبية في أوروبا وآسيا

تعد ظاهرة التناقص السكاني أو الانكماش هي الوجه الآخر لتحقيق ذروة السكان، حيث تتسارع وتيرة هذا التناقص في العديد من دول العالم، خاصة في شرق أوروبا وبعض الاقتصادات الكبرى.

ويظهر تحليل الأرقام أن ما لا يقل عن 42 دولة ومنطقة حول العالم تشهد انكماشًا سكانيًا حاليًا، وفقًا لبيانات البنك الدولي، رغم أن متوسط نمو عدد سكان العالم الإجمالي لا يزال عند 1%.

ويقف شرق أوروبا في طليعة المناطق الأكثر تضررًا، حيث تواجه العديد من الدول انخفاضًا حادًا في عدد سكانها بسبب مزيج من العوامل:

الهجرة الجماعية

النزوح الجماعي إلى دول أوروبا الغربية، بحثًا عن فرص عمل أفضل وأجور أعلى، هو السبب الرئيس في دول مثل بلغاريا وليتوانيا ولاتفيا، فمن المتوقع أن ينخفض عدد سكان بلغاريا بنسبة 20.6%، من 6.8 مليون إلى 5.4 مليون بين عامي 2024 و2050.

وتأتي لاتفيا في المقدمة بانخفاض متوقع قدره 21.05% في الفترة نفسها، بعد أن فقدت خمس سكانها تقريبًا منذ انضمامها للاتحاد الأوروبي.

وتواجه مولدوفا أيضًا انخفاضًا متوقعًا بنسبة 20% بين 2024 و2050، وهو ما يضاف إلى انخفاض سابق بنسبة 25% بين عامي 2020 و2024، مدفوعًا بالفقر والفساد.

الأزمات والخصوبة المنخفضة

تظهر بيانات أوكرانيا أن عدد سكانها انخفض بشكل حاد بمقدار 5.8 مليون نسمة بين 2020 و2024، بسبب الحرب التي أدت إلى ارتفاع الوفيات وموجات اللجوء، بالإضافة إلى معدلات خصوبة منخفضة للغاية.

كما تواجه دول مثل صربيا والبوسنة والهرسك وكرواتيا انخفاضات كبيرة، حيث يتوقع أن ينكمش سكان البوسنة والهرسك بنسبة 21.9% بحلول 2050، في ظل معدل خصوبة لا يتجاوز 1.26 طفل لكل امرأة، وهو ما يمثل تحديًا ديموغرافيًا هائلاً.

الاقتصادات الكبرى في مواجهة الانكماش

بدأت اليابان، على سبيل المثال، التناقص السكاني منذ عام 2011، وتُشير التوقعات أنها ستفقد 15.1% من سكانها (حوالي 18.7 مليون نسمة) بين 2024 و2050، بسبب معدلات الخصوبة المنخفضة للغاية (1.42 طفل لكل امرأة) وارتفاع نسبة الشيخوخة.

وتعد اليابان حالة دراسية حول كيفية تأثير التناقص السكاني على جودة الحياة، وتوافر العمالة الماهرة، والناتج المحلي الإجمالي.

وتسير دول أوروبية عظمى مثل إيطاليا على المسار نفسه، فمن المتوقع أن ينخفض عدد سكانها بنسبة 12.5% بين 2024 و2050، ليتقلص من 59.3 مليون إلى 51.9 مليون نسمة، وهو ما يعكس أدنى مستويات المواليد منذ توحيد إيطاليا وهجرة الشباب الباحثين عن فرص عمل في أوروبا.

كما تواجه بولندا انكماشًا متوقعًا بنسبة 14.8% حتى 2050. ونظرًا للحجم الهائل لهذه الاقتصادات، فإن انكماشها السكاني، حتى لو كان "متواضعًا" من حيث النسبة المئوية السنوية، سيكون له تداعيات عالمية واسعة النطاق.

فرصة لإبطاء التناقص بعد ذروة السكان

تدرك الحكومات حول العالم أن التناقص السكاني له آثار سلبية على الناتج المحلي الإجمالي وعلى استدامة البرامج الممولة حكوميًا.

وتحاول العديد من الدول اتخاذ إجراءات لرفع معدلات المواليد أو لتعويض النقص، ففي الصين، تم تطبيق دعم مالي يصل إلى 3600 يوان (حوالي 500 دولار أمريكي) سنويًا لكل طفل دون سن الثالثة.

كما أنشأت اليابان وكالة "الأطفال والأسر" للإشراف على رعاية الأطفال والحضانات، وفي المجر، تم تطبيق سياسات لزيادة معدلات المواليد.

ويجب التنويه أن فعالية هذه السياسات لا يمكن قياسها بعد، خاصة وأن الاتجاهات الديموغرافية تتسم بالبطء الشديد والتأثر بعوامل ثقافية واقتصادية عميقة الجذور.

ويظل عامل الهجرة، خاصة في حالة الولايات المتحدة، أداة قوية لتعويض انخفاض الخصوبة، أما في دول مثل البرتغال، فقد سعت الحكومة لاستقطاب المغتربين والعمال المهرة منهم وغير المهرة لتعويض الانكماش.

الأكثر مشاهدة

أحصل على أهم الأخبار مباشرةً في بريدك


logo alelm

© العلم. جميع الحقوق محفوظة

Powered by Trend'Tech