في أبريل الماضي، قررت إدارة ترامب تجميد أكثر من 10 مليارات دولار من التمويل الفيدرالي لجامعات أميركية مرموقة، مثل هارفارد وكورنيل، الأمر الذي مثل صدمة في الأوساط الأكاديمية في بوسطن وشيكاغو ونيويورك.
وجاء القرار المفاجئ بعد تصاعد الجدل حول تمويل الأبحاث والنشاطات السياسية داخل الجامعات النخبوية. ووفقًا لبيانات «المركز الوطني لإحصاءات التعليم» لعام 2023، بلغ إجمالي إيرادات المؤسسات التعليمية العامة في الولايات المتحدة نحو 392 مليار دولار. منها، ساهمت الحكومة الفيدرالية بـ68.9 مليار دولار، أي ما يعادل 18% من هذا الرقم، وهو ما يجعل تجميد التمويل تهديدًا مباشرًا لاستقرار هذه المؤسسات.
تعتمد الجامعات الأميركية، خاصة العامة منها، على مصادر متعددة للدخل. وعلى رأس هذه المصادر تأتي الحكومات المحلية والفيدرالية.
ففي عام 2023، شكّلت مساهمات حكومات الولايات نحو 28% من إيرادات الجامعات، أي ما يعادل 109.5 مليار دولار. تلتها الرسوم الدراسية بنسبة 21%، تساوي 80.8 مليار دولار.
لكن، ومع تضاؤل حصة الحكومات في التمويل خلال العقود الخمسة الماضية، اضطرت الجامعات إلى تعويض العجز من خلال رفع الرسوم الدراسية والاعتماد على مصادر خاصة. ومن بين هذه المصادر، برزت التبرعات، عوائد الاستثمار، والمنح الخاصة، والتي بلغت مجتمعة 51.2 مليار دولار (13%).
يأتي هذا التراجع في ظل ضغوطات مالية تعانيها عدة ولايات أميركية. ووفقًا للبيانات الحديثة، فإن 25 ولاية تنفق على التعليم الجامعي أقل مما كانت تنفقه في عام 2008.
بل إن ولايات مثل نيفادا وأريزونا ولويزيانا تقلصت فيها هذه المخصصات بنسبة وصلت إلى 30%. على النقيض، تحافظ ولايات مثل كاليفورنيا وتكساس على أعلى معدلات الإنفاق، بميزانيات بلغت 22.3 و11.5 مليار دولار على التوالي في السنة المالية 2025.
هل تكفي الرسوم الدراسية لسد العجز؟
رغم أن الرسوم الدراسية قد تضاعفت ثلاث مرات منذ تسعينيات القرن الماضي، فإنها لا تزال غير كافية لتعويض الانخفاض في التمويل الحكومي.
وبحسب دراسة من «مؤسسة كوليدج بورد» لعام 2024، فإن متوسط الرسوم الدراسية في الجامعات العامة بلغ 10,560 دولارًا سنويًا للطلاب من داخل الولاية، مقابل 27,020 دولارًا للطلاب من خارجها. ويشير خبراء إلى أن هذه الزيادات تضع عبئًا متزايدًا على الأسر الأميركية من الطبقة المتوسطة.
تبرز الجامعات النخبوية في جمع التبرعات، حيث تمتلك مؤسسات مثل جامعة هارفارد وستانفورد صناديق وقفية (Endowments) تتجاوز قيمتها عشرات المليارات من الدولارات. لكن هذه الأموال غالبًا ما تكون مخصصة لأغراض محددة.
تقول الأستاذة «ليزا روبن» من جامعة كولومبيا: «الكثير من الهبات مشروطة. تذهب لمنح دراسية معينة أو برامج أبحاث محددة لا يمكن تحويلها لتغطية نفقات التشغيل العامة».
ارتفاع النفقات الإدارية، وتوسّع البناء الجامعي، وازدياد رواتب أعضاء هيئة التدريس، جعلت التكاليف الجامعية تتصاعد على نحو ظاهر.
في الوقت ذاته، تشهد الولايات المتحدة زيادة في أعداد الطلاب، ما يرفع الطلب على التعليم العالي ويزيد الضغوط المالية. وتخشى بعض الإدارات الجامعية أن تؤدي سياسات تقشفية إلى تقليص البرامج الأكاديمية أو تسريح أعضاء هيئة التدريس.
بينما رحّب بعض الساسة المحافظين بالقرار باعتباره وسيلة «لضبط ممارسات الجامعات اليسارية»، اعتبر آخرون أنّه تهديد مباشر لحرية البحث العلمي.
في بيان صدر عن اتحاد الجامعات الأميركية (AAU)، وُصف القرار بأنه «سابقة خطيرة تُعرّض استقلالية الجامعات وحيادها الأكاديمي للخطر».
تكرّرت محاولات تقليص التمويل الفيدرالي في عهد إدارة ترامب الأولى، لكنها قوبلت بمقاومة شرسة من المجتمع الأكاديمي ومن بعض حكّام الولايات. ومن اللافت أن الأزمة الحالية تأتي بالتزامن مع دعوات لإصلاح شامل في نظام التعليم العالي الأميركي، بهدف جعله أكثر عدالة وكفاءة.
تسعى العديد من الجامعات إلى إعادة هيكلة مصادر دخلها، عبر تعزيز برامج التعليم عن بُعد، وتوسيع نطاق الشراكات مع القطاع الخاص.
كما باتت تعتمد أكثر على مكاتب تطوير الأعمال والعلاقات العامة لجذب تمويلات جديدة.