أحدثت الصين تحولًا كبيرًا في سياق الحرب التجارية مع الولايات المتحدة بإعلانها فرض قيود على تصدير المعادن النادرة، وهو ما يُعد ضربة قاسية للاقتصاد الأمريكي.
وهي خطوة كشفت مدى اعتماد واشنطن على هذه المواد الحيوية التي تدخل في تصنيع مجموعة واسعة من المنتجات التكنولوجية والعديد من الأنظمة الدفاعية.
تعد المعادن النادرة مجموعة من 17 عنصرًا كيميائيًا يشتركون في خصائص مماثلة، ولها دور أساسي في صناعة العديد من المنتجات التكنولوجية المتقدمة.
وعلى الرغم من أن هذه المعادن متوفرة بشكل طبيعي، فإنها تُسمى «نادرة» لأن العثور عليها في صورة نقية نادر للغاية، كما أن استخراجها يمثل تحديات بيئية وصحية.
ومن بين هذه المعادن، يُعد النيوديميوم أحد أهم العناصر المستخدمة في صنع المغناطيسات القوية التي تدخل في أجهزة الصوت، والأقراص الصلبة للحواسيب، ومحركات السيارات الكهربائية، وكذلك في الطائرات النفاثة.
وتُعد الصين القوة الرئيسية في استخراج المعادن النادرة، حيث تسيطر على نحو 61% من إنتاج هذه المعادن و92% من عمليات تكريرها، وفقًا لتقرير وكالة الطاقة الدولية. هذا يعني أن الصين تتحكم بشكل شبه كامل في سلسلة إمدادات المعادن النادرة، ولديها القدرة على تحديد الشركات التي يمكنها الحصول على هذه المواد.
ومن المعروف أن استخراج هذه المعادن وتكريرها عملية مكلفة ومُلوِّثة، ويُفضل العديد من الدول، بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي، تجنب هذه الصناعة بسبب المخاطر البيئية المرتبطة بها.
في خطوة تصعيدية ضد واشنطن، بدأت الصين مطلع الشهر الجاري بفرض قيود على تصدير سبع معادن نادرة، بما في ذلك المعادن الثقيلة التي تُستخدم على نحو رئيسي في القطاع الدفاعي.
هذه المعادن تُعد أكثر ندرة وتعقيدًا في المعالجة مقارنة بالمعادن الخفيفة، مما يجعلها أكثر قيمة. ومع فرض هذه القيود، يتعين على الشركات الأمريكية الآن الحصول على تراخيص تصدير خاصة لإرسال هذه المعادن خارج البلاد.
ويشير تقرير صادر عن المركز الأمريكي للدراسات الاستراتيجية والدولية إلى أن الولايات المتحدة كانت تعتمد على الصين إلى حد بعيد، حيث استوردت نحو 70% من إجمالي احتياجاتها من المعادن النادرة بين عامي 2020 و2023.
وقد تتسبب هذه القيود في تأثيرات كبيرة على العديد من القطاعات الأمريكية، وخاصة الصناعة الدفاعية التي تعتمد على المعادن الثقيلة في تصنيع الطائرات الحربية مثل F-35، والصواريخ مثل توماهوك، والطائرات الموجهة عن بُعد مثل «بريداتور».
كما يمكن أن تؤدي هذه القيود إلى زيادة الأسعار إلى حد بعيد في الأسواق الأمريكية، مما يزيد تكاليف تصنيع المنتجات التكنولوجية مثل الهواتف الذكية والأجهزة العسكرية.
ويوضح الدكتور جافين هاربر، زميل بحث في جامعة برمنغهام البريطانية، أنه في حال استمرار نقص الإمدادات من الصين، قد تضطر الولايات المتحدة إلى تنويع مصادرها وزيادة قدرتها الإنتاجية المحلية، وهو ما يتطلب استثمارًا كبيرًا وتطورًا تقنيًا.
على الرغم من وجود منجم نادر واحد في الولايات المتحدة، فإن القدرة على استخراج المعادن الثقيلة ومعالجتها تقتصر بشكل رئيسي على الصين. لكن في الماضي، كانت الولايات المتحدة أكبر منتج لهذه المعادن، غير أنها خرجت من السوق في ثمانينيات القرن الماضي بعد أن تمكنت الصين من تقليل التكاليف البيئية والعمالية، ما جعلها تهيمن على السوق.
وفي إطار محاولات تقليل الاعتماد على الصين، يسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى توقيع اتفاقيات مع دول مثل أوكرانيا وجزر جرينلاند، التي تحتوي على احتياطيات كبيرة من المعادن النادرة. لكن التوترات السياسية مع هذه الدول قد تؤدي إلى تعقيد هذه الجهود.
ويشير الخبراء إلى أن التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة تتراوح بين ناحيتين: الأولى هي الاستمرار في الاعتماد على الصين التي تسيطر على إمدادات المعادن النادرة، والثانية هي الإضرار بالعلاقات مع دول كانت تعد حليفة في هذا القطاع بسبب السياسات التجارية العدائية.
كما أضاف الدكتور هاربر أن هذا الوضع قد يجعل من الصعب على الولايات المتحدة استبدال الصين كمورد رئيسي للمعادن النادرة.