يعيش العالم اليوم لحظة فارقة في تاريخه الديموغرافي. فبحسب بيانات تحليلية تغطي الفترة من 1980 وحتى 2025، يتقدّم متوسط عمر السكان سنويًا، بينما يتراجع معدل النمو السكاني بثبات.
وسجلت الأمم المتحدة، في تقاريرها السكانية الأخيرة، انخفاضًا ملحوظًا في معدل الزيادة السكانية حول العالم، بالتزامن مع تسارع معدلات الشيخوخة في الدول المتقدمة.
بدأ هذا التغير تدريجيًا منذ ثمانينيات القرن الماضي، مدفوعًا بتراجع معدلات الخصوبة وارتفاع معدلات الحياة، ليصل الآن إلى نقطة حرجة تهدد بتغيير ملامح الاقتصاد العالمي.
تشير الإحصاءات إلى أنه في عام 1980، كان معدل النمو السكاني العالمي يبلغ 1.8%، ومتوسط العمر 26.5 سنة. أما في عام 2025، فقد تراجع النمو إلى 0.9%، بينما ارتفع متوسط العمر إلى 33.6 سنة.
ويُتوقع أن يتواصل هذا الاتجاه حتى عام 2100، حين يتجاوز متوسط عمر الفرد 43 سنة، ويتحول معدل النمو إلى -0.1%، ما يعني بداية انكماش سكاني عالمي.
يُفسَّر هذا التحول بتراجع معدلات الولادة حول العالم، إلى جانب التحسن المستمر في أنظمة الرعاية الصحية وزيادة متوسط العمر المتوقع، ما يجعل كبار السن يشكلون نسبة أكبر من السكان.
تشهد دول مثل اليابان، ألمانيا، وإيطاليا أعلى معدلات الشيخوخة، مع انخفاض فعلي في عدد السكان. على النقيض، لا تزال بلدان مثل الهند ونيجيريا تسجل نموًا سكانيًا، لكن بوتيرة متباطئة.
وفي سياق متصل، دخلت دول مثل الصين، الولايات المتحدة والمملكة المتحدة خلال العقدين الأخيرين مرحلة ما يُعرف بـ«نقطة التحول الديموغرافي»؛ أي عندما يبدأ حجم السكان في سن العمل بالتراجع مقارنة ببقية الفئات العمرية.
يحمل هذا التحول تداعيات واسعة، أبرزها:
ولكن، وفي ظل هذا القلق، تبرز إشارات تفاؤل، فوفقًا لصندوق النقد الدولي، فإن «كبار السن اليوم أكثر صحةً وقدرة على العمل من أجيال سابقة»، ما قد يطيل أعمارهم العملية ويعزز مساهمتهم الاقتصادية.
ينقسم الخبراء في آرائهم. فبينما يرى البعض أن تشجيع الهجرة إلى الدول المتقدمة قد يعوّض النقص في الأيدي العاملة، يحذّر آخرون من التحديات الثقافية والسياسية لذلك الخيار.
من جهة أخرى، يُراهن على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي كوسيلة لتعويض النقص البشري وتحسين الإنتاجية، خاصة في القطاعات التي يمكن أتمتتها.
مع اقتراب عام 2100، يواجه العالم خيارين: إما التكيف السريع مع المتغيرات الديموغرافية عبر إصلاحات اقتصادية وهيكلية شاملة، أو الركود تحت عبء شيخوخة سكانه.
الفرصة لا تزال قائمة. فالعالم لم يصل بعد إلى نقطة اللا عودة. لكن ما سيُحدد المستقبل هو السرعة التي تتحرك بها الدول لمواجهة هذه التحولات الديموغرافية الهائلة.